“يشبّهونني بعمود التوتّر”.. عن ابن عكار مصطفى ابراهيم “أطول رجل في لبنان” الذي قرر عزل نفسه تجنبًا لكلام الناس الجارح!
وكالة ميادين المقاومة
أبريل 21, 2022
أخبار هامّة, الرئيسية, النشرة اللبنانية, مقالات مختارة, منوّعات
أن يهزأ امرؤ من «طويل»، ويضحك عليه من قلب قلبه، ويبدأ تذكّر الأمثال الشعبية عن طول وقصر، وعن قامات خارجة من المألوف، لهو قمّة الحماقة من «إنسان» في حقٍّ إنسانٍ لم يخترْ لا أن يكون طويلاً ولا أن يكون قصيراً. مصطفى عوض إبراهيم، ابن عكار، يجلس بين جدرانٍ أربعة، بعيداً عن العيون، يعاني وحيداً من طوله وصحته وعمره والتنمّر الذي يلاحقه مثل ظله مردداً: الناس لا ترحم.
لا يختلف اثنان حول مقولة: «كلّ شيء زاد عن حدّه إنقلب ضدّه». هو مثلٌ شعبي. لكن، هناك لسببٍ ما «نِعم» من السماء يراها، من لا ينظرون أبعد من انوفهم، «عجيبة غريبة»، غير مبالين لا بمشاعر وأحاسيس ولا بإرادة الله التي هي فوق كل شيء. مصطفى، المولود في ضيعة بيت يونس في جرد عكار، يسكن حالياً في برقايل التي يتحدر اسمها من أصل سرياني ويعني «برق الله ولمعانه». وهناك، في أحد أزقة الضيعة العكارية، تلمع العيون وتدمع وتنزف جراء معاناة رجل، طوله «أطول من الباب» بكثير. إنه بطول مترين و35 سنتمتراً وبعمر الثانية والأربعين. باب منزله، الواقع في رواق طويل تتبعثر فيه البيوت، مغلق دائماً. ماعز في الجوار ودجاج وصياح ديكة يكاد لا يتوقف. عشرون درجة توصلنا الى بيت «أبو الطول» كما يسمّونه في عكار. ندخل فنراه مشلوحاً على سرير أكبر بكثير من كلّ الأسرّة في البيوت. إنه سرير أوصى على صناعته بطول مترين وخمسين سنتمتراً، لأن نموه لم يتوقف إلا قبل عامين، في سن الأربعين.
حاله حال. يبدو قاسياً وحنوناً، حاقداً ومستسلماً، مبتسماً وعابساً. مصطفى عوض إبراهيم يبدو كما المخلّع، مفكك المفاصل، مستلقياً على سريره، نسأله عن مصابه فيردّ: أنا موجوع جسدياً ونفسياً. نسأله عن طوله فيجيب: بدي مساعدة. بدي دوا. بدي آكل. بدي عيش مثل كل البشر. نتذكر هنا تلك المقولات التي تتباهى بالطول وتعيّر بالقصر وبينها: «الطول هيبة ولو كان من خشب والقُصر عار لو كان من ذهب». نذكّره به فيجيبنا بمثل آخر: «الطول طول الباب والعقل عقل ذباب». فنتأكد أن الناس يتنمرون على بعضهم البعض في كل الحالات، غير مبالين أن بفعلتهم تلك يدمّرون حياة إنسان.
أبو الطول، ابن عكار، الشاب مصطفى، بالكاد يستطيع، منذ شهر، الخروج من سريره. هو تعرض لحادثٍ على دراجته النارية، التي كان يجلس على آخر حديدها، وراء المقعد، ويمد قدميه الى الأمام، الى دعسة البنزين، فانقلبت به. هو حادث كان يمكن أن يكون بسيطاً لكن طوله الإستثنائي جعله يتعرض الى كسور في الورك ويحتاج الى عمليات جراحية. نساعده ليخرج قليلاً من سريره. يتكئ على الـ «ووكر» ونخرج معاً الى الشرفة. هو بيت متواضع والشرفة تطل على زقاق يلعب فيه «ولاد الحيّ». يزعجه صراخهم وأصوات ضحكاتهم، فيصرخ عليهم من فوق، من شرفته، فيجيبونه من تحت: «بدنا نتسلى حجّ أبو الطول». هو لم يُرزق بأطفال. وتزوج متأخرا على ما قال «في عمر الرابعة والثلاثين» ويُخبر السبب «لم ترضَ بي أي فتاة. ومن رضيت عارض أهلها. لكن زوجتي، على الرغم من معارضة أهلها، أصرت. أحبتني. وأخبرتني بعد زواجنا بحلمٍ جاءها ذات ليلة، رأت نفسها فيه تتمشى في بستان مليء بقرون الفول. إختارت منها الأكثر طولاً وقطفته». يبدو مصطفى متشائماً من الناس، جميع الناس، يذكر بالأسماء من وعدوه وخانوه. حتى أقرب الأقربين صاروا يتجنبونه، على ما قال، في رحلته مع «الطول» ويشرح: «العالم لا يرحم. كلما خرجت من منزلي وعدت، أطلب من زوجتي أن تصبّ لي رصاصة (ضد صيبة العين)، لأنني في كل مرة خرجت فيها عدت بآلام مبرحة في القدمين والذراعين والظهر. أحاول الإبتعاد عن عيون الناس لكنهم يأتون إليّ «ليتفرجوا» عليّ ويقومون بحركات تزعجني. حتى أقاربي يقولون لي وهم يبتسمون: صرت طول عمود التوتر العالي. وهناك من قالوا لي: أفضل وظيفة لك بائع علكة الى المسافرين، تبيع ركاب الطائرات وهي تحلق في الأجواء علكة. قال لي آخر: هل تعمل معي في «تلييس» السقف بلا سلّم. أحدهم رآني في سيارة فقال مستهزئا: بدك قطار. أتضايق كثيراً من كلام الناس لذا أبقى في البيت».
مرتبط