تطورت قضية ملاحقة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة من قبل القاضية غادة عون، المتهمة من قبل معارضي الرئيس ميشال عون بأنها “تنفذ أوامر القصر الجمهوري”، دراماتيكيا أمس بادعاء القاضية عون على المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان بتهمة عرقلة تنفيذ قرار قضائي بإحضار سلامة إليها بالقوة، فيما استمر السجال بين “تيار المستقبل” ورئاسة الجمهورية، وانضم رئيس “حزب القوات اللبنانية” سمير جعجع إلى الحملة على الرئيس ميشال عون.
ويصر سلامة على عدم المثول أمام القاضية عون التي تصر على ملاحقته خلافا لطلب المدعي العام التنفيذي، بانتظار البت بدفع تقدم به لعدم صلاحيتها لملاحقته.
✔”الحروب الدينكشوتية”
وذكرت صحيفة “اللواء” بانه في هذا الوقت، لم يغادر حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لبنان، كما تردّد، وبقي في مقر المصرف المركزي يمارس مهامه كالمعتاد. وهو ترأس أمس إجتماعاً للمجلس المركزي الذي بحث أموراً نقدية.
ووصفت مصادر سياسية سيناريو القاضية عون، بالادعاء على اللواء عثمان، من دون أي مسوغ قانوني، بانه ياتي ضمن الحروب الدينكشوتية للعهد والنائب جبران باسيل ضد من يعتقدون انهم من خصومهم السياسيين، في اطار تصفية الحسابات والمكايدة السياسية، وقالت: ان مثل الحروب، لن تؤدي إلى أي نتائج ولن تفيد العهد وتياره، باستنهاض الشارع العوني المبعثر على ابواب الانتخابات النيابية، وانما سترتد سلبا عليهم، لانه لم يعد باستطاعة رئيس الجمهورية، اجراء أي تشكيلات أو تعيينات ادارية أو أمنية بنهاية عهده، أو إعادة تلميع صورته امام الرأي العام بعد سلسلة الاحباطات والفشل الذريع بممارساته وسياساته.
واعتبرت المصادر ان عون وتياره يراكمان الخسائر السياسية، بعد سلسلة من الخيارات والتصرفات الخاسرة بدءا من فشل التعديلات على قانون الانتخابات النيابية، وصفقة المقايضات الشهيرة بالتعيينات وملف ازاحة القاضي طارق البيطار، وتعذر الدعوة لعقد طاولة الحوار الوطني في بعبدا.
وتوقعت المصادر السياسية ان يكون لسيناريوهات الملاحقات المفبركة غلى قياس العهد، ردود فعل عكسية، ونتائج سلبية ترتد على العهد وتزيد من النقمة الشعبية العارمة عليه.
✔تحرك دبلوماسي
بدورها، اشارت “الجمهورية” الى ان اللافت للانتباه في ما تكشفه المصادر، هو انّ المستجدات المتعلقة بالحملة على حاكم مصرف لبنان، لم تغب عن حركة البعثات الدبلوماسيّة في بيروت، حيث طرح بعض الدبلوماسيين أسئلة حول أبعادها والغاية منها، وهل انّ هذا الامر يفيد لبنان في الوقت الذي يتحضّر فيه لإجراء مفاوضات مع صندوق النقد الدولي؟
واشارت المصادر، الى انّ الاجوبة عن تلك الأسئلة الدبلوماسيّة الاوروبيّة، عكست أنّ هذه المسألة ليست محل إجماع سياسي او حكومي عليها، بل ثمة خلاف جوهري عليها. كما حملت انتقادات مباشرة الى ما سُمّي “المنحى الكيدي والشخصاني” الذي يدفع الى هذا الإجراء، ربما لأسباب سياسية او انتخابية.
✔اقالة سلامة
بدورها، سألت “الاخبار” هل يعود النائب العام التمييزي غسان عويدات عن قراره منع القاضي جان طنوس من استئناف تحقيقاته مع مصارف لبنانية للوصول الى حسابات رجا سلامة، شقيق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة؟
السؤال مردّه معطيات برزت في اليومين الماضيين، في لبنان وأوروبا، عن عودة الحديث عن قرار وشيك بإطاحة حاكم مصرف لبنان وبدء البحث في أسماء بديلة، علماً بأن الغطاء السياسي الداخلي لسلامة لا يزال قوياً، فيما لم يعطِ الجانب الأميركي بعد إشارة بتغييره، رغم معلومات تشير الى أن جهات لبنانية عليا فاتحت الأميركيين حول هوية البديل، انطلاقاً من أن تعيين الحاكم يحتاج ضمناً الى موافقة أميركية مسبقة.
مصادر مطلعة أكّدت أن امتناع لبنان عن المشاركة في اجتماع قضائي أوروبي عُقد في باريس الشهر الماضي للبحث في ملف الحاكم، أثار “غضب” جهات أوروبية. وجرى حديث عن رسالة “تأنيب” وصلت الى بيروت لعدم حضور الاجتماع مع معطيات تتعلّق بحسابات الحاكم وشقيقه ومساعدته ماريان الحويك، علماً بأن طنوس أبلغ من يعنيهم الأمر عدم قدرته على الحصول على المعلومات بعدما منعه عويدات من إكمال مهمته.
وبحسب المصادر، فإن الجانب الأوروبي الذي يرى أنه بدأ تقديم الأدلة والمعطيات المتوافرة لديه الى الجانب اللبناني، كان ينتظر الحصول في المقابل على ما يساعد في اتخاذ خطوات إضافية في سياق الادعاء على سلامة، في أكثر من بلد أوروبي، بشبهة الاختلاس وتبييض الأموال. ويريد الأوروبيون المعطيات الخاصة بحسابات رجا سلامة للتثبت من أن الأموال التي دخلت هذه الحسابات وحُوّلت منها الى حسابات أخرى في لبنان أو خارجه، استخدمت لتملّك شركات اشترت عقارات تبيّن أنها تعود الى سلامة وأفراد من عائلته. ويتيح التثبّت من هذا الأمر إصدار قرار بالحجز على هذه الأملاك.
✔التحقيقات الأوروبية
في هذه الأثناء، تواصل الجهات القضائية المعنية في أوروبا التحقيق في ملف سلامة. وقد تسلّم لبنان مزيداً من طلبات المعونة القضائية، فيما يبدو أن هناك رهاناً على “خطوات كبيرة” من فرنسا وألمانيا خصوصاً، ولا سيما أن الجانب الألماني فتح تحقيقاً حول ثروة الحاكم وممتلكاته التي يقدّرها بأكثر من مليار دولار، وهي مبالغ لا يمكنه تجميعها من استثمار طبيعي لما كان يملكه عند توليه منصبه، كما أن مخصصاته لا تسمح له بالوصول إلى مثل هذا الرقم. وعزّزت الملابسات التي كشفت عنها التحقيقات في سويسرا ولبنان شكوك الجانب الألماني الذي أبلغ لبنان بأن لديه معطيات “شديدة الخطورة” حول الملف، وأنه يحتاج الى مساعدة في بعض الجوانب، وهو ما لم يحصل بعد.