الشهيد حسان اللقيس.. العائد بطائراته إلى فلسطين
وكالة ميادين المقاومة
ديسمبر 4, 2021
أخبار هامّة, الرئيسية, النشرة الدولية, النشرة اللبنانية, مقالات مختارة
عمل الشهيد حسان اللقيس خلال عقدين ونيّف على تطوير القدرات العسكرية للمقاومة في لبنان، محققاً بذلك إنجازات اعترف بها كبار القادة الأمنيين في “إسرائيل”.
تقع عمليات “تصفية الأدمغة” في عمق نشاط المؤسسات الأمنية الإسرائيلية، منذ خمسينات القرن الماضي، ضد العقول اللامعة في الأنظمة والحركات المسلحة المناوئة لها، سواء أكان هؤلاء مبرّزون في العمل الأمني أو العسكري أو حتى العلمي.
استخدم “الموساد” هذه السياسة في قتل رئيس المخابرات العسكرية المصرية مصطفى حافظ عام 1956، باستخدام طرد مفخخ، وفي استهداف علماء الصواريخ الألمان الذي كان يعملون على تطوير القدرات الصاروخية المصرية في عهد الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، بدءاً من العام 1962، وصولاً إلى اغتيال خليل الوزير، وصلاح خلف، وعماد عقل، وفتحي الشقاقي، ويحيى عياش، وصلاح شحادة، ومحمد الزواري، وفادي البطش، ومحسن فخري زاده، وغيرهم المئات ممن ساهم في تطوير وتعزيز القدرات العسكرية لمحور المقاومة.
في كتابه “انهض واقتل أولاً، التاريخ السري لعمليات الإغتيال الإسرائيلية” يستعرض الكاتب الإسرائيلي، رونين بيرغمان، بناءً على وثائق استخباراتية نماذج عدّة من عمليات “الموساد” التي استهدفت قادة ومؤثرين في دول وقوى المقاومة، بما في ذلك العلماء النووين الإيرانيين، الذين رأى رئيس “الموساد” الأسبق مئير داغان في اغتيالهم عاملاً مثبطاً للبرنامج النووي الإيراني وبديلاً من الخوض في عملية عسكرية مباشرة ضد طهران.
اعتبر داغان، في ذلك الوقت، أنّ الاغتيال سيكون له “تأثير كبير على المعنويات كما له تأثير فعلي مادي مباشر، فلا أعتقد أنه كان هناك العديد من الأشخاص الذين كان بإمكانهم الحلول مكان نابوليون أو روزفلت أو ونستون تشرشل، فالعامل الفردي يلعب دوراً أساسياً”، وفق ما ينقل عنه بيرغمان. لكنه اعتبار بات ضعيفاً اليوم مع بلوغ تخصيب اليورانيوم في إيران عتبة الـ60%.
لكن أياً كان أثر اغتيال العلماء والمطورين العسكريين، ومهما اختلفت المعايير في تقييم المفاعيل المادية والمعنوية لهذه العمليات على نشاط المقاومة، لا يمكن تجاوز الخسارة التي منيت بها الأخيرة جراء اختيار “إسرائيل” نخبة العقول لتكون على قائمة “العناية السلبية”، أي أهدافاً بانتظار الاغتيال.
لهذا الكلام مناسبة. فاليوم يصادف الذكرى الثامنة لاستشهاد المسؤول عن دمج الأسلحة التقنية الأكثر تطوراً في ترسانة حزب الله، بحسب الإعلام الإسرائيلي، و”أحد العقول اللامعة في المقاومة”، بحسب تعبير أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله، أي القائد حسان اللقيس، والذي اغتالته “إسرائيل” أمام منزله في بيروت، عام 2013.
يضيء ماتيو ليفيت في كتابه “حزب الله: البصمات العالمية لحزب الله اللبناني” على الدور الذي لعبه اللقيس كرئيس قسم المشتريات العسكرية في الحزب، وعن نشاطه الحثيث للحصول على مناظير للرؤية الليلية، وأنظمة GPS، وكاميرات، واشتغاله لسنوات في تحليل وتصميم الطائرات المتطورة، بالإضافة إلى تجهيز الحزب بتقنيات وأجهزة حاسوبية أخرى.
أما مجلة “تاور مغازين” الشهرية والمرتبطة بالاستخبارات الإسرائيلية، فنشرت في العام 2014، تقريراً يقول إنّ “التحسينات في قدرات حزب الله العسكرية والتقنية، يمكن ردها بدرجة مذهلة إلى حسان اللقيس”، واصفةً إياه بالشخصية “ذات القدرة على الاختراع والمبادرة وضمن أهم الأدمغة التكنولوجية في حزب الله”.
ما نعرفه عن الشهيد اللقيس محدود بطبيعة الحال، فهو كما وصفه السيد نصر الله، في حفل تأبينه، “لم يكن من المعروفين إلا في الدوائر الخاصة وعلى مستوى العائلة والعمل لأن طبيعة المهمة الملقاة على عاتقهم لا تتيح لهم أن نعرّفهم إلى الناس”، لكن “إسرائيل” تعرفه جيداً بلا شك، فمحاولات اغتياله بدأت في مطلع التسعينات، ولم تنجح إلا بعد 7 أعوام من تكرار المحاولة في صيف عام 2006 (أدت العملية إلى استشهاد ابنه)، وهي سنوات طويلة وكافية لمعرفة القائد المقرّب من أمين عام حزب الله ومعاونه عماد مغنية وقادة حرس الثورة في إيران.
يقترن اسم اللقيس بتطوير الطائرات المسيرة. ولعه بالتكنولوجيا العسكرية وبمتابعة أحدث المعدات القتالية دفعه إلى إيلاء اهتمام كبير بهذه الطائرات، وذلك في وقت مبكر جداً، أي منذ نهاية ثمانينات القرن الماضي، حين بدأ بتصميم طائرات باستخدام تقنيات متواضعة ومخرطة محلية.
المشروع بدأ يكبر بمساعدة رفاق آخرين، لا نعرف منهم اليوم إلا من صار في عداد الشهداء كجميل سكاف وحسين أيوب، وهذا الأخير هو من حلّقت طائرة المقاومة باسمه لأوّل مرة، عام 2012، في سماء فلسطين المحتلة، وفوق منشآت إسرائيلية “حساسة”.
تطورت “القوات الجوية في المقاومة الإسلامية في لبنان” بشكل لافت ما بعد تحرير الجنوب عام 2001. أتيح المزيد من الفرص، المزيد من الأمن، والمزيد من التعاون مع الخبراء في إيران، وذلك بالتوازي مع تطوير سلاح الإشارة السلكية واللاسلكية التي كان اللقيس معنياً بها. باتت المقاومة أقل انكشافاً أمام الاستخبارات الإلكترونية الإسرائيلية وأكثر قدرةً على الكشف عن قدرات جيش الاحتلال، وهذا ما يظهر واضحاً في تجسس المقاومة على غرف عمليات الجيش الإسرائيلي كما في حالة فك تشفير اتصال الطائرة المسيرة الإسرائيلية في كمين أنصارية الشهير عام 1997.
اختبرت الطائرات المسيّرة التي جهزها اللقيس وعمل على تطويرها بشكل فعال في عمليات داخل فلسطين المحتلة، وضد الجماعات المسلحة في سوريا، مساهمةً بذلك في جمع معلومات مهمة وحساسة تساهم في تأكيد دقة النيران وتقليل حجم الخسائر البشرية والمادية. لكنّ الأهم أنّها تمكنت من تخطي الرادارات الإسرائيلية غير مرة وتصوير منشآت على مستوى عال من الأهمية.
مهمات أخرى اضطلع بها اللقيس ضمن مسؤوليته في شراء الأسلحة، فهو ساهم بشدة في تحديد نوع وشكل القوة النارية للمقاومة في لبنان، حتى بات حزب الله “بفضله يمتلك قدرة نارية لا تملكها 90% من دول العالم”، وفق قول مائير داغان.
درجت العادة في مختلف حركات المقاومة أن لا ينال قادتها ومبدعوها تكريماً في حياتهم. الأسماء يجب أن تظل مستورة وراء الإنجازات، لكن هذه الإنجازات تظهر في النهاية، وتترك أثراً غالباً ما يؤدي إلى مقتل أصحابها. عند ذاك يكرّم هؤلاء بشكل يفوق كل التكريمات العسكرية الرتيبة: إطلاق أسمائهم على كتائب أو أسلحة أو عمليات (صاروخ عياش، طائرة أيوب، طائرة الزواري، راجمات بهاء أبو العطا)، أو تذكّر عطاؤهم عند كل عملية تؤلم “إسرائيل”.
الشهيد اللقيس تحمله وتحمل ذكراه اليوم كل الطائرات المحلقة في سماء فلسطين.
مرتبط