برقيات استخبارية بعودة نشاطه: بغداد ترصد تنامياً لـ«داعش»

تتجدّد المخاوف الأمنية في العراق من عودة نشاط «داعش» على الحدود مع سوريا، رغم إجراءات مشدّدة، وسط تحذيرات استخباراتية واستنفار لمنع أي تصعيد مُحتَمل.

دير القديس أوراها للكلدانيين الذي دمره تنظيم “داعش” في الموصل بعد إعادة إعماره وإفتتاحه في موسم الميلاد للعام الجاري!

رغم الجهود الأمنية المكثّفة التي تبذلها السلطات العراقية لإحكام السيطرة على الشريط الحدودي مع سوريا، تعود المخاوف من انبعاث نشاط تنظيم «داعش» إلى الواجهة، مدفوعةً بمعطيات أمنية تشير إلى تحرّكات غير مسبوقة لخلايا التنظيم خلال الأشهر الماضية، خصوصاً في المناطق الحدودية الوعرة التي لطالما شكّلت ملاذاً آمناً لعناصره الفارّين. وأكّدت مصادر أمنية عراقية وجود معلومات استخبارية متقاطعة، تُفيد بإرتفاع وتيرة نشاط خلايا «داعش» منذ نحو عام، مع تسجيل محاولات لإستغلال الظروف المناخية القاسية، ولا سيما الطقس البارد والضباب الكثيف، لتنفيذ عمليات تسلّل أو هجمات مباغتة، تستهدف القوات الأمنية المتمركزة على الحدود بين العراق وسوريا. وبحسب هذه المصادر، فإن الأيام الماضية شهدت حالة استنفار واسعة في أغلب التشكيلات الأمنية، تحسّباً لأي تصعيد مُحتمل.

ويكشف مصدر أمني بارز، لـ»الأخبار»، عن وجود أكثر من برقية استخباراتية حذّرت من تحرّكات لعناصر التنظيم في مناطق نائية وممرات صحراوية، مشيراً إلى أن هذه التحذيرات دفعت القيادات الأمنية إلى رفع مستوى الجاهزية وتنفيذ عمليات تمشيط وتطهير مكثّفة، خصوصاً في المناطق التي يُعتقد أن التنظيم ما زال يحتفظ فيها بخلايا نائمة. ورغم الانكسار الكبير الذي تعرّض له بعد عام 2017، فإن «داعش» لم يُهزم بشكل نهائي، إذ لا يزال قادراً على تنفيذ هجمات متفرّقة بين حين وآخر، مستفيداً من التحوّلات السياسية والأمنية التي تشهدها المنطقة، سواء في سوريا أو في دول أخرى تعاني هشاشة أمنية.

وفي هذا السياق، يؤكّد نائب قائد عمليات شرق دجلة، أبو رضا النجار، أن «القوات الأمنية والحشد الشعبي يمتلكان خططاً عملياتية متكاملة لملاحقة الخلايا الإرهابية، سواء داخل العمق العراقي أو على طول الشريط الحدودي»، مشيراً إلى أن «العمليات الاستباقية أسفرت خلال الفترة الماضية عن توجيه ضربات مؤثّرة إلى التنظيم». ويضيف، في حديث إلى «الأخبار»، أن «القوات الأمنية نجحت في تفكيك عدد من الخلايا وتدمير مضافات في مناطق وادي زغيتون والشاي في كركوك»، معتبراً أن «التنسيق العالي بين الأجهزة الاستخبارية والقوات الميدانية هو العامل الحاسم في إحباط أي مخطط إرهابي».

“التحوّلات الإقليمية، خصوصاً في سوريا، تمنح التنظيم فرصاً لإعادة التموضع”

غير أن معطيات أمنية أخرى تشير إلى أن مستوى التهديد ارتفع نسبياً بعد سقوط النظام السوري السابق؛ إذ يخشى مراقبون من أن يؤدّي الفراغ الأمني في بعض المناطق السورية إلى إعادة تنشيط خلايا «داعش»، ما ينعكس مباشرة على الأمن العراقي، بحكم طبيعة الحدود المفتوحة وتشابك الجغرافيا. وفي قراءة أمنية لهذا المشهد، يبيّن اللواء المتقاعد محمد العلي أن «داعش يعتمد استراتيجية مختلفة عمّا كان عليه في سنوات الخلافة»، موضحاً أن التنظيم «تحوّل إلى خلايا صغيرة مستقلّة تعتمد على عنصر المفاجأة والاستنزاف، وتسعى إلى إثبات الوجود أكثر من السيطرة على الأرض». ويرى العلي، في تصريح إلى «الأخبار»، أن «التحوّلات الإقليمية، خصوصاً في سوريا، تمنح التنظيم فرصاً لإعادة التموضع، لكنها لا تعني بالضرورة عودته بالقوة ذاتها، في ظل تطور القدرات الاستخباراتية العراقية».

في المقابل، تؤكد وزارة الداخلية العراقية أن إجراءات تأمين الحدود مع سوريا وصلت إلى مستويات غير مسبوقة، إذ وصف رئيس دائرة العلاقات والإعلام في الوزارة، العميد مقداد ميري، الوضع الأمني على الحدود بأنه «أفضل من أي وقت مضى»، مشيراً إلى أن العراق أنجز منظومة متكاملة تشمل انتشار المخافر والمقارّ العسكرية وإنشاء سياج من الكتل «الكونكريتية»، ولا سيما في مناطق غرب الأنبار وشمال القائم، فضلاً عن نصب 1200 كاميرا حرارية على طول الشريط الحدودي. ولفت إلى أن القوات الأمنية تعتمد أيضاً على الطائرات المُسيّرة، والسواتر والخنادق الترابية، لمراقبة أي تحرّكات مشبوهة.

وتأتي هذه الإجراءات في وقت لا تزال فيه الذاكرة العراقية مُثقلة بتجربة عام 2014، حين تمكّن «داعش» من السيطرة على مساحات واسعة من البلاد، مستغلاً امتداد الصراع في سوريا آنذاك. واليوم، تسعى بغداد إلى منع تكرار هذا السيناريو، عبر الجمع بين الجهد العسكري والاستخباري، والتنسيق الإقليمي والدولي.

ورغم ذلك الحذر، يظلّ ملف مخيم «الهول» في سوريا أحد أبرز التحدّيات، إذ يشكّل بؤرة محتملة لإعادة إنتاج المجموعات المتطرفة. وكان أكّد مستشار الأمن القومي، قاسم الأعرجي، في عدة مناسبات، أن العراق ماضٍ في إخلاء المخيم من مواطنيه، معتبراً أن تجفيف منابع الإرهاب يتطلّب معالجة الجوانب الأمنية والإنسانية معاً.

وفي ضوء التحركات الأخيرة لـ»داعش»، عمدت القيادات الأمنية العراقية إلى تكثيف الاتصالات مع الجانب السوري، سعياً لتلافي أي فراغ، وتنسيق الإجراءات الميدانية، وتحديد النقاط الساخنة، وتوحيد آليات المتابعة بين القوات على جانبي الحدود. ويصف مصدر أمني عراقي ذلك التنسيق بأنه «حيوي لاستباق أي تهديد محتمل»، مؤكداً أن «بغداد ودمشق تعملان على وضع آليات مشتركة للمراقبة الجوية والبرية، ومتابعة أي تحرّكات لعناصر التنظيم داخل المناطق الحدودية، بما يسهم في تفادي سيناريوهات مشابهة لما شهدته المنطقة عام 2014». ويبيّن المصدر، في حديث إلى «الأخبار»، أن «نجاح هذه الجهود يعتمد على استمرار تبادل المعلومات الدقيقة وتطوير قنوات الاتصال الاستخبارية، إضافة إلى تعزيز الثقة بين الأجهزة الأمنية في البلدين، رغم التحدّيات التاريخية والسياسية العميقة التي تفرض نفسها على أي تعاون مستمر».

عن وكالة ميادين المقاومة

شاهد أيضاً

مخابرات الجيش لا تجدُ عريمط

تواصل مخابرات الجيش اللبناني بحثها عن الشيخ خلدون عريمط، بعد تواريه عن الأنظار. ويُشتبه في …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *