حصار بحري شامل على فنزويلا | ترامب لأميركا اللاتينية: الاستعمار عائد
وكالة ميادين المقاومة
ساعتين مضت
أخبار هامّة, الرئيسية, النشرة الدولية, مقالات مختارة, منوّعات
دشّنت واشنطن مرحلة العدوان المباشر على فنزويلا، معلنةً حصاراً بحرياً وقرصنةً للنفط، في مسعىً مفضوح لـ«تركيع» الثورة البوليفارية ونهب مقدرات البلاد السيادية بمحض القوة.

تبنّت الحكومة الفنزويلية موقفاً حازماً إزاء الإجراءات الأميركية
انتقلت الولايات المتحدة في تعاطيها مع الملف الفنزويلي من مرحلة الحرب الاقتصادية والحصار المالي والحظر الجوي، إلى مرحلة العدوان العسكري المباشر والقرصنة البحرية، إذ أعلن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، فرض «حصار كامل وتام» على ناقلات النفط الفنزويلية، مدعوم بأكبر حشد بحري تشهده أميركا الجنوبية في التاريخ الحديث. وتكمّل هذه الخطوة مسعى واشنطن لخنق كاراكاس عسكرياً واقتصادياً، ومن ثمّ إخضاع الحكومة البوليفارية وإسقاط الرئيس نيكولاس مادورو بالقوة، في تجاوزٍ صارخ للأعراف والقوانين الدولية كافّة، التي تجرّم حصار الدول ذات السيادة في أوقات السلم.
وتكشف اللغة التي استخدمها ترامب في أمره التنفيذي مساء الثلاثاء، عن نوايا استعمارية صريحة؛ إذ طالب علناً بأن «تعيد فنزويلا إلى الولايات المتحدة كل النفط والأراضي والأصول التي سرقتها سابقاً»، في إشارة واضحة إلى اعتباره الثروات الطبيعية الفنزويلية «ممتلكات أميركية يجب استردادها»، وضربه بقرارات التأميم السيادية التي اتخذتها فنزويلا منذ سبعينيات القرن الماضي، – وتعزّزت في عهد الرئيس الراحل هوغو تشافيز – عرضَ الحائط.
وسبق إعلانَ الحصار تنفيذ القوات الأميركية عملية قرصنة بحرية موصوفة؛ إذ استولت البحرية الأميركية على ناقلة النفط «سكيبّر» المحمّلة بنحو مليوني برميل من النفط الخام، تُقدَّر قيمتها بنحو 95 مليون دولار، وذلك في المياه الدولية قبالة السواحل الفنزويلية، بينما كانت الناقلة في صدد الإبحار نحو كوبا. وجاءت هذه القرصنة بذريعة «مكافحة الإرهاب» وادّعاءات تتعلق بخضوع السفينة لعقوبات بسبب نقلها نفطاً إيرانياً في وقت سابق، فيما تفيد تقارير بأن شركتَي نفط أميركيتين كانتا تنشطان سابقاً في فنزويلا تقدّمتا بطلبات رسمية للحصول على حصة من النفط المُصادَر على متن «سكيبّر».
وإذ مثّلت هذه العملية تحوّلاً خطيراً في العقيدة العسكرية الأميركية، حيث يجري توظيف الأساطيل البحرية كأدوات للجباية والنهب المباشر، سواء لصالح الخزانة الأميركية أو لتمويل العمليات ضد فنزويلا، فإن الحصار الأميركي الذي أعلنه ترامب يهدّد بنهب ناقلات النفط الفنزويلية الأخرى. وفي هذا السياق، تشير بيانات الملاحة إلى وجود نحو 18 ناقلة نفط مُحمّلة بالكامل في المياه الفنزويلية في انتظار فرصة الإبحار، في ظلّ التهديد بمصادرتها جميعاً، ما يعني السطو بقوة السلاح على ما يقارب 11 مليون برميل من النفط الفنزويلي.
وفي سياق توفير غطاء قانوني لهذه الإجراءات المُحتملة، أعلن ترامب تصنيف الحكومة الفنزويلية «منظمة إرهابية أجنبية»، وهو إجراء غير مسبوق يستهدف حكومة دولة ذات سيادة وعضواً في الأمم المتحدة؛ إذ يتيح هذا التصنيف لواشنطن تجاوز القيود المرتبطة بالحصانة السيادية، ويمنح قواتها «تصريحاً مفتوحاً» لاعتراض أي سفن فنزويلية، ومصادرة أي أصول، وحتى تنفيذ عمليات عسكرية من دون الحاجة إلى إعلان «حرب رسمي» من الكونغرس.
وتأتي هذه الخطوة ضمن استراتيجية «الضغط المتصاعد» التي أقرّت بها سوزي وايلز، كبيرة موظفي البيت الأبيض، في حديث إلى مجلة «فانيتي فير»، أكّدت فيه أن الهدف الحقيقي لبلادها هو تغيير النظام، وأن ترامب «يريد الاستمرار في تفجير القوارب حتى يستسلم مادورو ويعلن خضوعه». ويفضح هذا التصريح زيف الادّعاءات الأميركية حول «الحرب على المخدّرات»، التي استخدمتها واشنطن ذريعةً لشن حملة دموية في المياه الدولية في الكاريبي والمحيط الهادئ، أسفرت، بحسب تقارير موثّقة، عن مقتل ما لا يقل عن 95 شخصاً في 25 غارة على قوارب صيد وسفن صغيرة.
“تسعى واشنطن إلى ضمان أن تكون الشركات الأميركية هي المستفيد الحصري من النفط الفنزويلي”
وكانت نشرت صحيفة «واشنطن بوست» شهادات مروّعة عن أوامر صادرة من وزير الدفاع الأميركي، بيت هيغسيث، بـ«قتل الجميع»، بما في ذلك إطلاق النار على ناجين كانوا يتشبّثون بحطام القوارب بعد الغارات الأولى، وهو ما يشكّل جرائم حرب وانتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني، إذ يجري إعدام صيادين وبحّارة فنزويليين خارج نطاق القضاء، من دون تقديم أي أدلة ملموسة على تورّطهم في تهريب المخدّرات، في وقت تؤكد فيه البيانات الدولية أن فنزويلا ليست دولة مُنتِجة للكوكايين، وأن غالبية المخدّرات التي تَعبر المنطقة مصدرها كولومبيا، الحليفة التاريخية للولايات المتحدة.
وفي موازاة حصار الشعب الفنزويلي ومنع الغذاء والدواء عنه عبر خنق صادراته النفطية، منحت إدارة ترامب استثناءً خاصاً لشركة «شيفرون» الأميركية لمواصلة عملياتها في فنزويلا وتصدير النفط إلى الولايات المتحدة. ويكشف هذا الاستثناء الدوافع الحقيقية لترامب؛ فالهدف ليس منع النفط الفنزويلي من الوصول إلى الأسواق، بل ضمان أن تكون الشركات الأميركية هي المستفيد الحصري منه، وحرمان الدولة الفنزويلية من أي عائدات قد تستخدمها في برامجها الاجتماعية أو في تنمية اقتصادها المستقل، علماً أن البيانات تشير إلى أن ما بين 15% و17% من صادرات فنزويلا النفطية تذهب حالياً إلى الولايات المتحدة عبر «شيفرون»، بينما تُلاحَق وتُقرصن النسبة المتبقية (80%)، التي تتجه بشكل أساسي إلى الصين وكوبا.
وهكذا، يهدف الحصار البحري إلى تصفير صادرات فنزويلا النفطية، التي تمثّل شريان الاقتصاد الوطني ونحو 88% من عائدات التصدير. وفي هذا السياق، يحذّر خبراء، من بينهم ديفيد غولدين، المسؤول السابق في وزارة الخارجية الأميركية، من أن ذلك الحصار سيؤدي إلى خسارة فنزويلا ما يصل إلى 80% من إيراداتها الحكومية، مع ما يرافق هذه الخسارة من نقص حادّ في الغذاء والدواء، وتضخم هائل، وموجات هجرة قسرية جديدة. ويرى الخبراء أن واشنطن تراهن، من خلال التجويع الممنهج، على تأليب الشعب الفنزويلي ضد قيادته ودفعه إلى الانقلاب عليها، مستخدمةً في مهمتها تلك المعاناة الإنسانية كسلاح سياسي، في استعادة للسيناريو السوري، وتطبيقاً لسياسة العقاب الجماعي المُحرّمة دولياً.
وفي مواجهة هذا العدوان، تبنّت الحكومة الفنزويلية موقفاً حازماً؛ إذ وصفت الإجراءات الأميركية بـ«القرصنة الدولية» التي تنتهك حرية الملاحة والتجارة. ودانت، في بيان، ادّعاءات ترامب بملكية ثروات فنزويلا، معتبرة أنها «تعكس عقلية لصوصية». ومن جهته، أعلن مادورو التعبئة العامة، متعهّداً الدفاع عن كل شبر من الأراضي والمياه الفنزويلية ضد الحرب المفتعلة التي تشنّها واشنطن.
وتزامن التصعيد العسكري مع حراك سياسي تقوده المعارضة اليمينية المرتبطة بواشنطن، وعلى رأسها شخصيات مثل ماريا كورينا ماتشادو وفّرت غطاءً سياسياً للإجراءات الأميركية، بدعوتها من العواصم الأوروبية إلى تشديد الخناق المالي على بلادها، وتسويقها الحصار والتجويع باعتبارهما خطوات لـ«تحرير» فنزويلا.
مرتبط