صراع الشقيقَتيْن المتعدّد الجبهات: الإمارات تتقدّم على السعودية

التوتر بين السعودية والإمارات يتصاعد في اليمن والقرن الأفريقي، مع توسّع نفوذ أبوظبي على الأرض وتراجع قدرة الرياض على التأثير ميدانياً.

السعودية قلقة من تعدّد التشكيلات العسكرية على حدودها..

لا يبدو أن التطورات في شرق اليمن ستكون الحلقة الأخيرة في مسلسل الصراع السعودي – الإماراتي، ليس داخل هذا البلد فحسب، بل على مستوى الإقليم بأسره. مع ذلك، يشير التوسّع الإماراتي في اليمن إلى أن أبو ظبي لم تعد تتعامل مع الرياض كشقيقة كبرى تخشى هيمنتها؛ وهو ما دلّ عليه تحرّكها في اللحظة السياسية الحرجة، انطلاقاً من اعتبارها أن قدرة السعودية على الحسم تراجعت بشكل واضح، وأن استثمار هذا الفراغ بسرعة قد يعيد رسم موازين القوى في الخليج لعقود قادمة.

وإذ كشفت أحداث حضرموت والمهرة عن جذور صراعِ نفوذ متراكم، بقي لسنوات يُدار في الظلّ، ويُغلّف بالتفاهمات المعلنة، فقد طُرحت تساؤلات عميقة حول حدود التراجع السعودي وانعكاساته على دور المملكة في اليمن، وما يحمله ذلك من تداعيات على مكانتها الإقليمية. فالخسائر المتراكمة للرياض، منذ الأشهر الأولى لـ«عاصفة الحزم»، لم تتوقّف عند إخفاقها في حسم المواجهة مع حركة «أنصار الله»، بل امتدّت لتشمل تراجعاً لافتاً أمام شريكتها الأساسية في «التحالف العربي»، في مسار يكاد يُخرِج المملكة من المشهد اليمني كفاعل ميداني مباشر، ويثير خشية من تآكل مُتدرّج لنفوذها ليس في اليمن وحده، بل في ساحات أخرى تُعدّ تقليدياً جزءاً من عمقها الاستراتيجي.

ذلك أن الصراع بين الجانبين لا يقتصر على اليمن، بل يمتدّ إلى مناطق أخرى في الإقليم، ومنها القرن الأفريقي، حيث تسعى الإمارات لتعزيز نفوذها الاستراتيجي على البحر الأحمر. وفي وقت تدعم فيه إثيوبيا في صراعها مع إريتريا بهدف ضمان وصول مباشر إلى الممرات البحرية الحيوية، تساعد قوات «الدعم السريع» في السودان لحسم المعركة ضد الجيش ا. كما تتسلّل عبر جمهورية أرض الصومال، مستثمرةً ميناء بربرة الاستراتيجي الذي يتيح لها التحكّم بطرق الملاحة الحيوية في خليج عدن والبحر الأحمر، وتُقدِّم أيضاً دعماً أمنياً محدوداً لتقوية القوات المحلية هناك. كذلك، تسيطر الإمارات على الجزر والموانئ اليمنية في الجنوب، توازياً مع تقويتها حضورها في الموانئ الحيوية على الجهة المقابلة من البحر الأحمر – في القرن الأفريقي -، ما يمنحها قدرة مزدوجة على التحكّم في ممرّات التجارة والملاحة الدولية.

“التصعيد الإعلامي السعودي يعكس قلقاً متزايداً من تداعيات التوسّع الإماراتي”

ومع استمرار تكرُّس خارطة النفوذ تلك، بدا لافتاً، في الأيام الماضية، استقبال السعودية الرئيس الإريتري، أسياس أفورقي، ورئيس «مجلس السيادة» السوداني، عبد الفتاح البرهان، اللذين طلبا منها التدخّل في ملفات الأزمات في المنطقة، واحتواء النفوذ المتنامي لقوى أخرى، وهو ما يُبرِز محاولة الرياض استعادة دورها الإقليمي هناك. غير أن السعودية لا تمتلك سوى أدوات اقتصادية ودبلوماسية محدودة، وهي أقلّ قدرة على التأثير الميداني المباشر مقارنة بالإمارات، التي أسّست، من جهتها، وجوداً عملياً ملموساً على الأرض في كل من السودان وإريتريا وشرق أفريقيا.

وعبّر أفورقي، في مقابلة صحافية، عن ذلك التحوّل بقوله، إن أدواراً إقليمية لدول أخرى ـ في إشارة واضحة إلى الإمارات ـ باتت تسهم في تعقيد المشهد الإقليمي، سواء في ليبيا عبر نقل السلاح، أو في اليمن من خلال دعم مشاريع تقسيمية تهدّد وحدة الدولة وتفتح المجال أمام نفوذ خارجي متزايد. وأضاف أن نفوذ القوى الإقليمية الأصغر حجماً – عانياً الإمارات – شهد توسّعاً لافتاً في القرن الأفريقي وعبر البحر الأحمر، داعياً السعودية إلى إعادة تموضعها بما يتناسب مع ثقلها السياسي والاقتصادي العالمي.

في هذا الوقت، يستمرّ التصعيد المتعدّد الأوجه في اليمن، على خلفية أحداث حضرموت والمهرة، ومن بين وجوهه إعلامياً؛ إذ شنّ الصحافي السعودي المقرّب من الديوان الملكي، عضوان الأحمري، هجوماً حاداً على «المجلس الانتقالي الجنوبي»، محذّراً من تداعيات توسيع الأخير نفوذه في المحافظات الشرقية، ولا سيما حضرموت والمهرة. وفي مقال نشره في موقع «إندبندنت» العربي، شدّد الأحمري على الأهمية الاستراتيجية لهاتين المحافظتين بالنسبة إلى الرياض، باعتبارهما عمقاً مباشراً للأمن السعودي، مؤكداً أن المملكة لن تسمح بعبث أيّ أطراف في ملف اليمن، في إشارة صريحة إلى رفض النفوذ الإماراتي هناك.

غير أن هذا التصعيد الإعلامي، بحسب مراقبين، يعكس قلقاً سعودياً متزايداً، أكثر مما ينبئ بقدرة فعلية على تغيير موازين القوى، خصوصاً في ظل تعدّد التشكيلات العسكرية على حدود المملكة، وتحوّل بعضها إلى أدوات نفوذ وابتزاز لصالح قوى إقليمية ودولية؛ وهو سيناريو تحذّر منه الرياض لفظياً، فيما تتقدّم الوقائع الميدانية في اتجاه معاكس لرغبتها.

عن وكالة ميادين المقاومة

شاهد أيضاً

حين يستصعب الطلاب لغتهم الأُم!

في اليوم العالمي للغة العربية، يكاد وضعها يبدو صادماً في بلدٍ كلبنان، مع الغربة التي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *