حين يستصعب الطلاب لغتهم الأُم!

في اليوم العالمي للغة العربية، يكاد وضعها يبدو صادماً في بلدٍ كلبنان، مع الغربة التي يشعر بها كثير من الطلاب تجاهها. والمسؤولون، هم: الأهل والمدرسة والدولة.

إهتمام التلامذة باللغة العربية يتفاوت بين مدرسة وأخرى. وهو ما يؤكّده إحياء اليوم العالمي للغة العربية، الذي يعكس تبايناً واضحاً بين قِسمَين. قسمٌ يتحمّس، فيبحث عن أفكار إبداعية يحيي المناسبة عبرها، كالمسرحيات والمسابقات، وقسمٌ آخر لا يكترث لليوم من أساسه، فيكون عنده يوماً فولكلورياً لا يتجاوز «رفع العتب».

في الواقع، لا تنحصر لامبالاة هؤلاء التلامذة بهذا اليوم فحسب، بل تنسحب على الأيام الدراسية الأخرى، إذ يشعر هؤلاء أنهم يتعاملون مع لغة صعبة، مُعقّدة، جافة، مُبهمة… وغير مستعملة، على ما يردّد الأولاد. فالصغار مقتنعون بأنّهم لن يحتاجوا إلى هذه اللغة عندما يكبرون ويعملون. واللغة الأجنبية تصاحب الطفل في المنزل والمدرسة ومع الأصدقاء خارجهما، لدرجة أنه لا يستوعب ما يُطلب منه بالعربية الفصحى، ولا حتى باللهجة العامية المحكية.

لكن، مَن المسؤول عن هذا الواقع؟ الأهل أم المدرسة أم الدولة؟ المسؤولية طبعاً مشتركة، وتبدأ من الأهل، إذ كيف يبرّر هؤلاء عجز أبنائهم الذين يعيشون في بلد عربي منذ الولادة عن التحدّث بالعربية وفهمها؟

تلفت إحدى الأمّهات إلى أن الاحتكاك الأول مع اللغة يبدأ مع التحضير لدخول المدرسة، حيث يُسأل التلميذ عن الأشكال والألوان باللغة الفرنسية أو اللغة الإنكليزية! بعدها، تكتشف الأمهات، وفقاً لهذه الأم، أن التلميذ يرتاح مع اللغات الأخرى، خصوصاً من لديه صعوبات في التواصل. مع ذلك، تُقِرُّ بـ«أننا في الأسر اللبنانية نستخدم الكثير من المفردات الأجنبية في التواصل اليومي مع أبنائنا، إن لم نكن نحدّثهم بالإنكليزية أو بالفرنسية بالكامل».

المسؤول الثاني: المدرسة، حيث يبدأ إهمال اللغة العربية من الساعات القليلة المُخصّصة لها ولا ينتهي بتعليمها بأساليب غير مُحبّبة، ما يجعلها غير مألوفة لدى التلميذ، لدرجة أن بعض الأهل يضطرون إلى ترجمة ما يقرأه التلميذ بالعربية إلى الإنكليزية، ليفهمه! ويرى أحد الآباء أن المعلم، وأحياناً منسّق المادة، يؤدّي الدور الأساس في اختراع الأساليب لجعلها لغة سلسة. وإلّا ما الذي يُفسِّر تغيّر علاقة الولد باللغة العربية مع تغيّر الأستاذ الذي يدرّسه المادة؟، يسأل الأب.

لغة منافِسة

معلمو الصفوف يتحدّثون عن صعوبات في اتجاهات مختلفة. فالتلميذ، بحسب منهاج الحلقة الأولى من التعليم الأساسي، يتعرّض لحصة واحدة يومياً باللغة العربية مقابل خمس أو ست حصص باللغة الإنكليزية أو الفرنسية، إذا ما أخذنا في الاعتبار موادّ الرياضيات والعلوم التي تُعطى كلّها باللغة الأجنبية.

يُضاف إلى ذلك اعتماد أسلوب التلقين في تعليمها، ما يبعث الملل والنفور في نفوس التلامذة.

معلّمة اللغة العربية، ليال همدر، ترى أن الحل يكون بجعل العربية لغة منافَسة، من خلال اللعب والاكتشاف والموسيقى والرسم والتقنيات البصرية من فيديوات وغيرها، والتشجيع على القراءة المتواصلة لا الظرفية. وتقول، إن المطلوب أن تكون إدارة المدرسة مُقتنِعة بأهمية تنويع أساليب تعليم اللغة العربية، وعدم حصر تدريسها داخل الجدران الأربعة، مشيرةً إلى أنها شخصياً طلبت من مدرستها تخصيص ساعات إضافية للغة العربية، ونجحت في ذلك.

“يضطر بعض الأهل إلى ترجمة العربية إلى الأجنبية ليفهمها أبناؤهم”

بحسب همدر، تتعاطى الكثير من المدارس الخاصة مع العربية بعقلية «حصة وبتمرق»، ما يدفع الأهل إلى الاعتماد على الدروس الخصوصية في الحلقة الأولى من المرحلة الأساسية وتكبّدهم مصاريف إضافية.

مثلّث المسؤولية

المسألة بالنسبة إلى التربوية، إيمان حنينة، تبدأ منذ إعلان جنس المولود والاحتفال بقدومه بكتابات أجنبية، وتمر بلغة التواصل في المنزل والمدرسة والمؤسسات الحكومية. وتسأل: «كيف ننتظر من الطفل أن يتكلم العربية، فيما اللهجة العامية هي لغة المؤتمرات، والمسؤولون لا يقدرون على الحديث أكثر من خمس دقائق بلغة عربية سليمة؟».

بالنسبة إليها، يمكن تعليم اللغة العربية عبر الصوتيات والقراءة والكتابة وتذوّقها من خلال الأغاني والموسيقى والرسوم المتحرّكة والمسرح والتكنولوجيا.

وتعتقد أن «التعاطي مع اللغة العربية سهل وغير مُعقّد لا نحواً ولا صرفاً ولا تعبيراً ولا فهماً، حتى تعليم القواعد يكون بالمحاكاة، وليس بالأساليب التقليدية المُعقّدة التي تُدرّس في المدارس وتُثقِل كاهل التلميذ»، مشيرةً إلى «تجارب لأطفال عاشوا في دول أجنبية وأتقنوا اللغة العربية الفصحى، بسبب طريقة التعليم».

وفقاً لحنينة، فإن «المشكلة في الدول العربية هي النظرة الاجتماعية السلبية إلى اللغة العربية والشعور الدائم بالدونية، بحيث يتكلم المغلوب بلغة الغالب، أي الغرب المتقدّم، والسبب الإهمال المستمر للحكومات العربية في تعزيز الحضور اللغوي على الشبكات الحاسوبية، وعدم الاهتمام بمراكز الترجمة التي تُعنى بتعريب الكتب وتحديداً في المجال العلمي».

في المقابل، تجهد الحكومات الغربية للحفاظ على اللغة الأم، ففي مقاطعة كيبيك الكندية التي يتحدّث أبناؤها باللغة الفرنسية، مثلاً، يحرص الأهل على إدخال أبنائهم إلى مدارس يتكلّم كل طاقمها باللغة الفرنسية من الحارس إلى المديرين، مروراً بالتلامذة والمعلّمين.

كذلك، فإن موادّ العلوم والرياضيات تحوّلت إلى موادّ معزولة عن عالم الطفل، في حين أنها موادّ حياتية ويُفترض أن تُدرّس باللغة العربية، على ما تقول حنينة، منتقدةً تعليم التاريخ والجغرافيا في بعض المدارس باللغة الأجنبية.

عن وكالة ميادين المقاومة

شاهد أيضاً

التهديدات الإسرائيلية للعراق «قائمة» | المقاومة لأميركا: لا تسليم للسلاح!

وزير الخارجية العراقي يحذّر من التهديدات الإسرائيلية والأميركية، في ظل ضغوط دولية لتشكيل حكومة متوازنة، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *