لا سقف لعمليّات الإغتيال: الإحتلال يُكَرِّس «حريّة العدوان» في غزّة!

إلى حين الانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق الهدنة في غزة، يبدو أن سماء القطاع ستظلّ مفتوحة أمام حركة الاغتيالات الإسرائيلية، وآخرها اغتيال القياديّ «القسّامي» رائد سعد، الذي عدّته الكتائب تجاوزاً لكل الخطوط الحمراء.

إستطاع العدو الإسرائيلي أن يفرض النموذج القائم في جنوب لبنان على قطاع غزة

إغتال الإحتلال الإسرائيلي، عصر السبت، الرجل الثاني في «كتائب القسام»، رائد صبحي سعد، الذي، خلافاً لعمليات التصعيد السالفة، لم تَصنع لتبرير تصفيته حدثاً ميدانياً كبيراً من مثل مقتل وإصابة جنود إثر اشتباكات في مدينة رفح، كما حدث سابقاً. وأكّدت الأوساط الأمنية الإسرائيلية أن القيادة السياسية أَبلغت الولايات المتحدة بتنفيذ الهجوم بعد وقوعه، ما يشير إلى أن العملية وما سبقها قبل عشرة أيام من اغتيال للقيادي الكبير علاء الدين الحديدي، مسؤول وحدات الدعم والإمداد في «القسام»، لم يأتيا كحدثَين خارجَين عن سياق وقف إطلاق النار، بل باعتبارهما جزءاً من إدارة الصراع، والسعي لتعزيز واقع ميداني لا تحكمه أيّ قواعد اشتباك أو خطوط حمر. بتعبير آخر، تريد إسرائيل تكريس واقع لا ينهي الحرب فعليّاً، لكنه لا يعيدها إلى دائرة العمليات الشاملة، وذلك نزولاً عند الرغبة الأميركية.

والواقع أن المسار الذي تمّت فيه عملية الاغتيال، التي أعقبت تهديدات علنية ومستمرّة لرائد سعد وعز الدين الحداد، يُظهر أن المحدّد الأساسي في التوقيت، هو توفّر الفرصة العملانية والمعلومة الاستخبارية الدقيقة التي لا تتكرّر دائماً. أمّا الإشارة إلى أن إسرائيل لم تبلغ الولايات المتحدة بالعملية إلّا بعد وقوعها، فليست سوى تفصيل هامشي لا قيمة له؛ ذلك أن الهجوم تمّ بتنسيق تام مع غرفة العمليات الأميركية – الدولية في «كريات غات»، والتي تقدّم مظلّة سياسية وعسكرية تَمنح إسرائيل هامش حركة تعيد فيه صياغة الأحداث الميدانية – حتى الكبيرة منها -، وتقدّمها على أنها ليست خرقاً استراتيجياً للهدنة، بل إعادة ضبط لإيقاعها. والجدير ذكره، هنا، أن اغتيال شخصية بهذا الحجم، كان مُدرجاً طوال سنوات طويلة – قبل السابع من أكتوبر 2023 – على قائمة أولويات التنفيذ، فيما قرّر المستوى السياسي تأجيله تفادياً لردّ الفعل الناجم عنه، خصوصاً أن اغتيال قائد أركان «القسام»، أحمد الجعبري، في عام 2012، تسبّب بجولة قتال استمرّت ثمانية أيام، قَصفت فيها المقاومة للمرّة الأولى مدينة تل أبيب بصواريخ «فجر» الإيرانية الصنع، في حدث مثّل في حينه نقطة فارقة في مستوى الصراع. ويعني ما تقدّم أن عملية اغتيال الرجل الثاني في «القسام»، ليست حدثاً عابراً كان يمكن القفز عنه، إنّما عملية كبرى تستغلّ إسرائيل الوقائع الميدانية والسياسية لتمريرها – مع إطلاع وحدات الرقابة الأميركية والدولية على مستواها -، باعتبار أنها ومثيلاتها الواقع المستدام الذي سيطول لسنوات، ويجب أن لا يتسبّب تكرار دينامياته بأيّ اعتراض وامتعاض، كونه لا يخالف خطّة ترامب وبنودها العشرين.

“ثمّة إدراك متزايد لدى المقاومة بأن الوقائع الأمنية والميدانية وقواعد الاشتباك انتهت إلى أجل غير مسمّى”

وفي إطار إدارة إسرائيل للعلاقة مع الولايات المتحدة أيضاً، ثمّة إدراك سياسي في الأوساط الأمنية الإسرائيلية بأن واشنطن – ترامب متعجّلة للانتقال إلى المرحلة الثانية من التفاهمات، وتشكيل قوّة دولية في قطاع غزة، مع ما يعنيه ذلك من قيود سياسية وأمنية على حرّية العمل الإسرائيلي. من هنا، ترى تل أبيب في الاغتيالات والتصعيد اللذين يسبقان المرحلة الثانية، وسيلة لرفع السقف، وخلط الأوراق، وتعقيد الانتقال إلى واقع قد تُفرض عليها فيه ترتيبات لا تنسجم مع أهدافها.

هكذا، استطاعت إسرائيل أن تفرض النموذج القائم في جنوب لبنان على قطاع غزة: لا سلم مطلقاً ولا حرب شاملة. وبهذا، تبقى السماء مفتوحة أمام عمليات الاغتيال والاستهداف متى توفّرت الفرصة، في واقع ينسجم تماماً مع السعي الإسرائيلي لاستدامة الضغط ومنع الاستقرار. ويعني ذلك أن الحرب لم تنتهِ، ولكنّ شكلها تغيّر، في حين يحدّد الراعي الأميركي خطوطاً حُمراً لا يبذل جهداً في تثبيتها. أما المقاومة، فإن ثمة إدراكاً متزايداً لديها بأن الوقائع الأمنية والميدانية وقواعد الاشتباك التي نشأ عليها جيل كامل من المقاومين خلال الأعوام الـ15 الماضية، انتهت إلى أجل غير مسمّى، وصار التفكير لديها منصبّاً على العودة إلى البدايات التي عايشها القادة التاريخيون: المطاردة المستمرّة والتخفّي الدائم والعمل من وراء الستار، مع وجود إيمان جمعي، بأن كل مرحلة، أيّاً كانت تعقيداتها وتحدّياتها، قادرة على صناعة قادة يبدعون لها وسائلها وأدواتها وخططها المناسبة. وبالفعل، أعلنت «كتائب القسام»، أمس، أنها كلّفت قائداً جديداً بالمهام التي كان يشغلها الشهيد سعد، الذي عدّت عملية اغتياله «تجاوزاً لكل الخطوط الحمر»، مؤكّدةً أن «حقّنا في الردّ على عدوان الاحتلال مكفول، ومن حقنا الدفاع عن أنفسنا بشتى الوسائل».

عن وكالة ميادين المقاومة

شاهد أيضاً

حزب الله بعد عام على الحرب: ورشة ترافقها حيرة وغموض

لم يكن استشهاد القائد العسكري في المقاومة الإسلامية السيد أبو علي الطبطبائي حدثاً عادياً داخل …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *