حاكم مصرف لبنان كريم سعيد أعطى إشارة بدء الهجوم: المصارف تتحدّى القاضي شعيتو والـIMF

في نهاية الأسبوع الماضي عقد مجلس إدارة جمعية المصارف اجتماعاً خصصه للنقاش في مسألتي «طلب المعلومات الوارد من النائب العام المالي القاضي ماهر شعيتو» ومشروع قانون «الفجوة المالية واسترداد الودائع» الذي تسرّبت نسخة منه ويخضع لتعديلات واسعة الآن بناء على مجموعة ملاحظات من أبرزها ورقة واردة من صندوق النقد الدولي. الجمعية توصّلت إلى قرارين يرميان إلى تحدّي الحكومة إذا خضعت لما يريده صندوق النقد الدولي، والقاضي شعيتو سنداً إلى آراء المحامين التي خلصت إلى القول إنه ليس من حقّ شعيتو الحصول على المعلومات التي طلبها، وإنه ليس من حقّ صندوق النقد الدولي فرض شطب رساميلها على الحكومة. حاكم مصرف لبنان كريم سعيد هو من أعطى إشارة بدء الهجوم.

نزل طلب المعلومات من القاضي شعيتو، كالصاعقة على أصحاب المصارف. شمّوا منه خطراً كبيراً عليهم يلخّصه معظمهم على النحو الآتي: الهدف منه ابتزازنا في توقيت إقرار قانون الفجوة المالية. الابتزاز الذي يتحدّثون عنه، هو أنه سيفتح المجال واسعاً أمام عمليات إستقصاء معمّقة في عمليات التحويل المحلية والخارجية قد تظهر إلى العلن وتتسرّب كغيرها من التحقيقات، ولا سيما أن طلب شعيتو يشير إلى توسّعه في التحقيقات التي ستضم رؤساء مجالس الإدارة وأعضاء مجلس الإدارة والمديرين العامين ومديري الفروع والمفوضين بالتوقيع وأزواج كل هؤلاء وزوجاتهم وكل من كان في هذا الموقع، أي السابقين والحاليين.

وتشمل الحسابات الخاضعة للتحقيق كل عملياتهم المحلية والخارجية بين 1/7/2019 و1/1/2023 بالإضافة إلى كل ما ذكر على وثائق التحويلات ومبرراتها والجهة المحوّل إليها.

النقاش في هذا الوضع، فتح أفقاً ما للمصارف لإطلاق حملة رفض وتلويح بالتصعيد في ما يخصّ طلب القاضي شعيتو، ومحاولة فرض شروطها الهادف إلى إجراء تعديلات واسعة في بنية مشروع قانون الفجوة المالية؛

في المسألة الأولى، كان النقاش متركزاً على مسألة كيفية رفض طلب القاضي شعيتو المحال إلى المصارف من مصرف لبنان. والمصارف تدرك أن الطلب المحال إليها ليس هو نفسه الطلب الصادر من شعيتو. ففي 18/11/2025 صدر طلب شعيتو موجّهاً إلى حاكم مصرف لبنان مباشرة، لكن الحاكم تمهّل أكثر من أسبوع لإعادة توجيه الطلب نحو المصارف. مصرف لبنان درس الطلب من زاوية قانونية واستنتج بأن طلب شعيتو قد ينطوي على مخالفات للقانون لأنه يطلب المعلومات في غطاء غير واضح لجهة الصلاحيات والسند القانوني، حتى إن الطلب الوارد لم يذكر في متنه أي سند قانوني باستثناء جملة واحدة: «عطفاً على تحقيقات أولية تجريها النيابة العامة المالية بموضوع اشتباه بحصول جرائم جزائية ومنها جرائم مصرفية، نطلب من جانبكم…».

لذا، قرّر الحاكم، أن يعيد الإحالة إلى المصارف بالاستناد إلى التعميم الأساسي 171 والذي يفنّد «طلبات رفع السرية المصرفية المقدمة من مصرف لبنان أو لجنة الرقابة على المصارف». لا يحدّد هذا التعميم أي طلب معلومات يأتي خارج إطار مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف، وفيه أن طلبات الاستعلام عن أي سجلات وحسابات ومستندات ومعلومات عائدة إلى شخص معنوي أو حقيقي يتعامل مع أي مصرف أو مؤسسة خاضعة لرقابة مصرف لبنان… توقع من حاكم مصرف لبنان أو من يفوضه لهذه الغاية، على أن لا تزيد مهلة الجواب أكثر من 15 يوماً من تاريخ ورود الطلب.

“تلوّح المصارف بالتصعيد في مواجهة طلب المعلومات الوارد من شعيتو وطلب صندوق النقد بتصفية رساميلها”

بهذا المعنى، فإن سعيد أطلق معركة مع القاضي شعيتو، قبل أن تطلقها المصارف مع القاضي. وهو ألمح لهم بأن رفع السرية المصرفية لا يمكن أن يتم بهذه السهولة عن الحسابات المصرفية، ولو أن التعديلات التي أجريت في تشرين الأول 2025 على القانون تفتح هذا الباب، وبالتالي لن يكون سهلاً «محاسبة» أي مصرف في أزمة اتفق على وصفها بأنها «نظامية» بقصد الإشارة إلى أن المسؤولية الأساس تقع على الدولة.

وعندما تسلّمت المصارف كتاب شعيتو المحال إليها بواسطة كتاب آخر من الحاكم ينظر إلى الأمر من زاوية قانونية مختلفة، وجدت في الأمر فرصة لاتخاذ قرار مهّد له محاموها في القانون: سيتم إعداد ورفع كتاب إلى حاكم مصرف لبنان للطلب منه بألا يعطي أي معلومات بشأن ما هو مطلوب منها من النيابة العامة المالية، إلا في حال وجود شبهة ما على حساب ما. وأنه لا يحقّ للنيابة العامة المالية طلب معلومات بهذا الشكل الواسع من أجل إجراء تحقيقات والبحث عن جرم جزائي، بل يحقّ لها الحصول على المعلومات عندما تكون هناك شبهة بعملية ما تخصّ هذا الحساب أو ذاك.

رغم ذلك، تقول مصادر إن عدداً من المصارف تجاوبت مع طلبات شعيتو التي سبقت طلبه الأخير، لكن الأرقام التي ظهرت من المعطيات الواردة كانت قليلة نسبياً وبالتالي هناك حاجة إلى معطيات إضافية يطلبها القاضي الذي يتعامل مع المصارف خطوة بخطوة ضمن برنامج عمل واضح المعالم لديه ومبني على القانون.

أما في المسألة المتعلقة بمشروع قانون الفجوة المالية واسترداد الودائع الذي تسرّب، فإن المصارف تعتقد أن المشروع سيؤدي إلى الإطاحة برساميلها وسيحمّلها أعباء أكبر بكثير من الدولة مع أنها «أزمة نظامية»، وهذا ما سترفضه في بيان سيصدر سريعاً وهو عبارة عن كتاب مفتوح للرؤساء وللمودعين. كالعادة، تستند الجمعية إلى المودعين والشطب اللاحق بهم في محاولة للاحتفاظ بمكاسب تخصّها وحدها. فهي ترفض أي شطب لرساميلها، وهي تعتقد أن الـ8 مليارات دولار التي يملكها مصرف لبنان بوصفها «توظيفات إلزامية» هي من حصّتها، وبالتالي تسديد هذه المبالغ للمودعين لا يضعها من حصّة الدولة، بل يجب أن تصنّف من حصّة المصارف.

(ما سرّب هو أن حصّة الدولة ستكون 16 مليار دولار وحصة مصرف لبنان 16 مليار دولار وحصّة المصارف 12 مليار دولار، لكن المصارف تقول إن حصّتها هي 20 ملياراً بينما حصّة مصرف لبنان هي 8 مليارات دولار). وفي إطار الصراع القائم بين المصارف وصندوق النقد الدولي، فإن الأخير يحاول فرض شطب رساميل المصارف أولاً ثم الانتقال إلى شطب الودائع، إلا أن المصارف ترفض ذلك وتضغط على الحكومة حتى لا تدرج في قانون الفجوة المالية الذي سيعرض على مجلس الوزراء خلال أيام ما يؤدي إلى شطب الرساميل وتصفيرها.

هذان الملفان هما الأساس الذي يتعامل معه لوبي المصارف بوصفهما أمراً عاجلاً يتطلب تحرّكاً تصعيدياً «سيحصل إذا قرّرت السلطة المضي بهما على النحو الذي تقوم به الآن مع صندوق النقد الدولي» يقول أحد المصرفيين. لكن المصارف تدرك أنها لن تختلف كثيراً مع حاكم مصرف لبنان كريم سعيد الذي أعطاها إشارة بدء الهجوم على صندوق النقد بعدما جهّز الأرضية لذلك من خلال زياراته المتكرّرة للقاء ممثلي الصندوق خارج لبنان وإبلاغهم أن لا شأن لهم في تعامل لبنان مع مصارفه ومودعيه، إذ لا سوابق للصندوق في التعامل مع مسائل تجارية خاصة، خلافاً لمسألة التعامل مع الدين العام التي يتدخل فيها الصندوق بشكل جوهري وعميق.

وبالتوازي مع هذه الزيارات، فإن الحاكم تمكّن من إقناع الأطراف العاملة في لبنان على هذا الملف، أي أعضاء اللجنة التي يرأسها رئيس الحكومة نواف سلام إلى جانب وزراء المال والاقتصاد والحاكم، بأنه لا يجب القبول بكل ما يطرحه صندوق النقد وأن تصفير رساميل المصارف ليس مصلحة لبنانية لأنه سيؤدي مباشرة إلى شلل كل العمليات التي ينفذها القطاع المصرفي مع الخارج لأن المصارف المراسلة ستقطع علاقاتها مع كل المصارف التي تصبح رساميلها صفراً. كما أن الحاكم، سبق أن أطلق حملة أقنع بموجبها رئيس الجمهورية جوزيف عون، بأنه لا ضرورة لأي اتفاق مع صندوق النقد الدولي سوى في ما يتعلق بالمالية العامة. وقد تمّ هذا الأمر بالتعاون مع صديقه مستشار رئيس الجمهورية والمصرفي فاروج نيرغيزيان.

نسخة جديدة في ضوء ملاحظات الـIMF

يقول أحد المسؤولين المعنيين بملف «الفجوة المالية» إن النسخة التاسعة من المشروع والتي تسرّبت قد طرأ عليها الكثير من التعديلات في النسخة الـ14، ثم يجري إعداد نسخة جديدة ربطاً بالملاحظات الكبيرة التي وردت من صندوق النقد الدولي والتي تجعلها أقرب لتكون مشروعاً جديداً. ويشير المسؤول إلى أن هناك شبه اتفاق بين المسؤولين على أنه لن يتم تصفية رساميل المصارف وأن هذا الأمر ليس مفهوماً لصندوق النقد الدولي الذي لا يميّز بين القواعد والمعايير الدولية المحاسبية وبين الواقع اللبناني، إذ إن المصارف لديها القدرة على تعطيل البلد شبه المعطّل الآن بفعل الحصار الأميركي الخانق.

عن وكالة ميادين المقاومة

شاهد أيضاً

حزب الله يُشكّل هيئة مركزية لإدارة الإعلام

في إطار التغييرات داخل الجسم التنظيمي في حزب الله بعد الحرب الأخيرة، أقرّ مجلس شورى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *