كلمة الأمين العام لحزب الله سماحة الشيخ نعيم قاسم في حفل التجمع الفاطمي بمناسبة ولادة السيدة فاطمة ‏‏الزهراء (ع)‏ 13-12-2025‏

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق، مولانا وحبيبنا وقائدنا أبي القاسم ‏محمد، ‏وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وصحبه الأبرار المنتجبين، وعلى جميع الأنبياء والصالحين والشهداء إلى قيام يوم ‏الدين. السلام ‏عليكم ورحمة الله وبركاته‎.‎

قبل أن نبدأ حفلنا اليوم، سأعتبر أنني لازلت في الحفل السابق، حفل العلماء الشهداء، لأنه لم يُذكر الشهيد القائد الجهادي ‏الكبير ‏سماحة الشيخ نبيل قاووق، رضوان الله تعالى عليه، من ضمن أسماء الشهداء الذين تلونا أسماؤهم – العدد 16 وليس ‏‏15 – وذلك ‏بسبب خطأ في ورقة أرسلها الإخوة إليَّ، واعتبرت أن الأسماء الواردة هي الأسماء المعتمدة، لم أقرأها قبل ذلك، ‏ولم أحضّرها ‏بشكل جيد، ولذلك تلوتها كما هي، فتبين أنه لم يَرد اسم سماحة الشيخ نبيل. الشيخ نبيل علمٌ من الأعلام. كان ‏الشيخ نبيل دائمًا إلى ‏جانب سماحة سيد شهداء الأمة السيد حسن، رضوان الله تعالى عليه، يلبّي، يقدّم، يُعطي، هو نموذج ‏لحضانة المجاهدين ‏ومتابعة شؤونهم ومتابعة شؤون الناس. نعتبر أننا أمام قامة كبيرة من قامات العمل في حزب الله ‏والمقاومة‎.‎

رحم الله شهيدنا الشيخ نبيل قاووق، وإلى روحه وأرواح جميع الشهداء نهدي ثواب السورة المباركة الفاتحة مع الصلاة على ‏محمد ‏وآل محمد‎.‎

اليوم نجتمع في حفل التجمع الفاطمي تحت شعار “على العهد”. هذا التجمع هو تجمع كبير له علاقة بوحدة العمل النسائي في ‏حزب ‏الله. وحدة العمل النسائي فيها الهيئات النسائية وكل العاملات في المؤسسات المختلفة، أكانت مهنية أو تربوية أو ثقافية ‏أو ‏اجتماعية. وبالتالي، هناك تنظيم خفيف يجمع بين هؤلاء الذين يعملون في كل الحقول المختلفة ضمن رابط مع وحدة العمل ‏النسائي ‏في حزب الله‎.‎

إذًا، اليوم الدعوة هي من وحدة العمل النسائي. سَمَّوْا هذا التجمع بـ”التجمع الفاطمي” نسبةً إلى السيدة الزهراء، سلام الله تعالى ‏‏عليها، فاطمة بنت محمد وخديجة. فاطمة التي هي سيدة نساء العالمين، تيمنًا بذكراها واقتداءً بعملها واتجاهها‎.‎

وهذا التجمع اليوم يقوم بهذا الاحتفال في أماكن خمسة: في مجمع سيد الشهداء – الضاحية الجنوبية لبيروت، في قاعة مدارس ‏الإمام ‏المهدي – صور، في حسينية النبطية، حسينية السيدة خولة في بعلبك، حسينية مجمع الإمام علي عليه السلام الثقافي في ‏المعيصرة‎.‎

طبعًا، الاجتماع ليس اجتماعًا لجميع المنتسبات إلى وحدة العمل النسائي. طبعًا الإخوان أرسلوا لي العدد الموجود في المواقع ‏المختلفة، يعني ‏تقريبًا عندنا تسعة اتجاهات تشكّل وحدة العمل النسائي، لكن لم أرغب أن أذكر العدد. سأكتفي بالقول إن ‏المنتسبات إلى وحدة العمل ‏النسائي هنّ بعشرات الآلاف. وفي آنٍ معًا، ليس كل من ارتبط بطريقة تنظيمية؛ لأن الساحة، ‏البيئة، كل النساء في وسطنا ‏المتفاعلات مع حزب الله، نحن نعتبر أنهنّ جزء لا يتجزأ من هذا العمل النسائي الكبير‎.‎

هنا لابدّ أن نشكر وحدة العمل النسائي على هذا التجمع الفاطمي الكبير الذي يُعبّر عن هذه البيئة، وهذا الاتجاه، وهذه القناعة ‏‏المرتبطة بحزب الله والمقاومة في مواقع الجهاد والعمل. ‏

المناسبة‎‏ ولادة السيدة الزهراء، سلام الله تعالى عليها، التي ولدت في العشرين من جمادى الثانية. ‏

من هي السيدة الزهراء عليها السلام؟ ‏هي بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم. هي قدوة النساء على مستوى العالم. قال ‏رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «وأما ‏ابنتي فاطمة فإنها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين». هي التي قال عنها ‏رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إن الله ‏يرضى لرضاها ويغضب لغضبها»، بالواقع لأنها لا ترضى إلا لله، ولا تغضب ‏إلا لله تعالى‎.‎‏ هي نموذج لتطبيق الإسلام المحمدي الأصيل. ‏

إمامنا الخميني، قدس الله روحه الشريفة، اختار يوم ولادة السيدة الزهراء عليها ‏السلام يوم المرأة العالمي. هذا اليوم المرتبط ‏بأداء السيدة الزهراء كقدوة للنساء. قال: «امرأة تضاهي جميع الرجال، امرأة هي ‏مثال الإنسان، امرأة جسّدت الهوية ‏الإنسانية الكاملة». لذا كان هذا اليوم العالمي للمرأة الذي أعلنه الإمام الخميني، قدس الله روحه ‏الشريفة‎.‎

هذه السيدة الجليلة هي النموذج الإنساني الأرقى. هي قدوة النساء والرجال، لكن قدوة النساء بشكل أساسي. كانت في الموقع ‏المتقدم ‏كابنة، فكنّاها النبي صلى الله عليه وآله وسلم “فاطمة أم أبيها”. وهي كانت كزوجة نموذجًا للعلاقة الزوجية الرائعة ‏والمعطاءة، حتى ‏قال عنها أمير المؤمنين – زوجها علي – سلام الله تعالى عليه: «فوالله ما أغضبتها، ولا أكرهتها على أمر ‏حتى قبضها الله عز ‏وجل، ولا أغضبتني، ولا عصت لي أمرًا. ولقد كنت أنظر إليها فتنكشف عني الهموم والأحزان‎‏».‏

هي الأم التي ربت الإمامين الحسن والحسين، سلام الله تعالى عليهما، وزينب، سلام الله تعالى عليها، وأم كلثوم. هي العالمة ‏التي ‏استطاعت أن تقدّم للنساء في ذلك العصر الكثير الكثير. قال عنها الإمام الخامنئي، دام ظلّه: «إنها المرأة التي بلغت في ‏عمرها القصير ‏مراتب معنوية وعلمية توازي مراتب الأنبياء والأولياء»‏‎.‎

هي أيضًا صاحبة الموقف، حيث وقفت في المسجد بين المسلمين بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لتصحّح ‏المسار، ‏وتعلن الموقف الحقيقي من الخلافة. هي السيدة العظيمة التي عبّرت عن الإنسانة التي أرادها الإسلام‎.‎

نحن نجتمع في التجمع الفاطمي تحت لواء قدوة السيدة الزهراء، سلام الله تعالى عليها، من خلال المنهج الإسلامي الذي ‏يتعاطى مع ‏المرأة كإنسانة: هي أنثى في مجالات، وهي إنسانة في المجالات الأخرى. بخلاف النظرة المادية التي تتعاطى مع ‏المرأة كأنثى ‏تُبرز جمالها وتهتم بجسدها، وهذا هو الأساس. هذا مخالف للنظرة الإسلامية التي تنظر إلى المرأة كإنسانة‎.‎

اليوم نجتمع على العهد: على عهد المقاومة، على عهد حزب الله، على عهد سماحة سيد شهداء الأمة السيد حسن نصر الله، ‏رضوان ‏الله تعالى عليه، باني هذه المسيرة ومضيء كل الجوانب المختلفة على قاعدة الثوابت الإسلامية الأصيلة‎.‎

في هذا التجمع الفاطمي تجتمع الأخوات العزيزات والأمهات الكريمات. أقول لكم بكل صراحة: أفتخر بالمرأة المقاومة‎: ‎‎البنت، ‏والأم، والزوجة، والجدة، وكل النساء اللواتي يعشن في مجتمعنا. أنتنّ رايات العز والأخلاق والمقاومة والوطنية. أنتنّ ‏رائدات ‏التربية للأجيال القادمة على الاستقامة وعلى الاتجاه السليم‎.‎

أشكر الله تعالى أنني في زمان أعيش فيه مع هذه الثلة الطاهرة من النساء العظيمات اللواتي تصدّين في مواجهة العدو ‏الإسرائيلي، ‏واللاتي تصدّين في مواجهة الانحراف الأخلاقي، واللاتي عبّرنّ بطريقة فعالة ومؤثرة ومبدعة في رفع راية ‏الحق والاستقامة‎.‎‏ تحية إليكن يا نساء المقاومة، يا نساء فاطمة، يا نساء الإسلام العظيم. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته‎.‎

أوجه في هذا المجال خمسة نصائح‎:‎

أولاً: على المرأة أن تكون بارعة في كل الساحات، وخصوصًا في تربية الأسرة ودعم المقاومة‎.‎

ثانيًا: أنتِ شريكة صناعة المستقبل لوطننا لبنان والأجيال الصاعدة. فساهمي بذلك بما منحك الله تعالى من إمكانات، وكوني ‏فعالة ‏في التعاون مع نساء لبنان‎.‎

ثالثًا: حجابك علم التقوى يُعينك على تصدّر العفة والإخلاص والأخلاق والدور الإنساني، فحافظي عليه. واليوم مكانك في ‏المواقع ‏المتقدمة بهذا الحجاب، وهو ثمرة إيمانك والتزامك‎.‎

رابعًا: دورك المقاوم هو الذي ساهم في تحقيق الإنجازات، ابنةً وأمًّا وزوجةً. ثابري على هذا الدور لاستمرارية ثمرة دماء ‏‏الشهداء من الرجال والنساء، والتضحيات العظيمة للجرحى والجريحات، والأسرى المجاهدين‎.‎

خامسًا: العمل النسائي إطار عام لاستثمار الطاقات، ولا يحتاج الأمر إلى بطاقة انتساب. فأينما كنت تعملين على خط الجهاد ‏‏والمقاومة، فأنت منّا ومعنا‎.‎

هذه النصائح هي نصائحنا على قاعدة خطّ حزب الله، خطّ المقاومة، خطّ سيد شهداء الأمة، خطّ الولاية، خطّ الإسلام. فلنكن ‏معًا ‏على العهد إن شاء الله. وأنتنّ أهل لذلك. أنتنّ مصنع الرجال، ومصنع المقاومة، ومصنع العطاءات‎.‎‏ الحمد لله الذي وفّق ‏لهذا الدور النبيل للمرأة في لبنان، ولعطاءاتها العظيمة التي لا تحصى ولا تُعد‎.‎

أتحدث عن الوضع السياسي بعد هذا اللقاء‎:‎

أولاً: منذ تم اتفاق وقف إطلاق النار في 27 تشرين الثاني سنة 2024، أصبحنا في مرحلة جديدة. هذه المرحلة تَجُبّ ما ‏سبقها ‏وما قبلها، مهما كانت الآراء ومهما كانت القناعات: ممن يؤمن بالمساندة أو لا يؤمن بالمساندة، ممن يؤمن بالمقاومة أو ‏لا يؤمن ‏بالمقاومة، ممن يعتبر أنّ المبادرة كانت صحيحة أو لم تكن صحيحة. عندما حصل الاتفاق، يعني أن المرحلة السابقة ‏انتهت، ‏وأصبحنا أمام مرحلة جديدة‎.‎

هذه المرحلة الجديدة تفترض أداءً مختلفًا. الدولة أصبحت مسؤولة عن السيادة وحماية لبنان وطرد الاحتلال ونشر الجيش. ‏الدولة ‏أصبحت مسؤولة لتعمل على تثبيت سيادة لبنان واستقلال لبنان. والمقاومة قامت بكل ما عليها في تطبيق هذا الاتفاق ‏ومساعدة ‏الدولة اللبنانية‎.‎

إذًا، كل نقاش يعيدنا إلى ما قبل الاتفاق، واتخاذ أدلة مما قبل الاتفاق، لا قيمة له، لأننا أمام مرحلة جديدة. وبالتالي، ينبغي أن ‏‏نحاكم هذه المرحلة وننظر: من يطبّق الاتفاق ومن لا يطبّقه؟ وما الذي يجب أن نكون عليه؟

قائد قوات اليونيفيل، الجنرال ‏‎”‎أبانيارا”، قال للقناة الثانية الإسرائيلية: «ليس لدينا أي دليل على أن حزب الله يُعيد تأهيل ‏نفسه جنوب ‏نهر الليطاني، وأنّ إسرائيل تنتهك وقف إطلاق النار بشكل صارخ». هذه شهادة محايدة. حتى اليونيفيل، على ‏كل حال، لا يسلمون من ‏إسرائيل، لا هم ولا الجيش اللبناني، ولا المواطنين، ولا المدنيين، ولا البيوت، ولا أحد‎.‎

فتطبيق الاتفاق من الجهة اللبنانية يتم بشكل كامل، أما من جهة إسرائيل فلا يوجد أي خطوة على طريق الاتفاق. نحن ننظر ‏إلى ما ‏بعد الاتفاق لكل ما تقوم به إسرائيل أنه استمرار للعدوان. هذا العدوان خطر على لبنان وخطر علينا. لا أقول خطر ‏على لبنان ‏فقط، حتى نقول ليس علينا، لا، هذا العدوان الإسرائيلي خطر على لبنان وخطر علينا، وسأشرح لاحقًا هذا ‏السبب‎.‎

يقولون: لا نفع للسلاح مع المقاومة بعد، لأنه لم يعد يحمي. يبدو أنه عندكم أفكارًا مغلوطة. هؤلاء الذين يقولون هذا القول لا ‏‏يعرفون معنى المقاومة، فضلًا على إذا كانوا يؤمنون بوجود المقاومة وضرورة المقاومة‎.‎

ما هو تعريف المقاومة؟ لا يوجد مقاومة في الدنيا يكون لديها سلاح أقوى من سلاح العدو. كل مقاومات الدنيا تكون أسلحتها ‏بسيطة، ‏خفيفة، غير متوازنة مع القوة المفرطة الموجودة لدى العدو. وبالتالي، عدم التوازن في وجود السلاح أمر عادي ‏وطبيعي‎.‎

ثانيًا: إنجازات المقاومة تُقاس بالتحرير. أي: أين حرّرت المقاومة من الأرض؟ حرّرت بقعة؟ حرّرت قرية؟ حرّرت مدينة؟ ‏هذا ‏يُعتبر إنجازًا للمقاومة. أما الردع للعدو فهو استثناء‎.‎‏ حقيقة، لماذا أخذ حزب الله هذا المقام الكبير في المنطقة والعالم؟ لأنه ‏لا يوجد مقاومة في العالم استطاعت أن تردع إسرائيل عن أن ‏تقوم بعمل، أو تردع العدو عن أن يقوم بعمل سبعة عشر عامًا، ‏من سنة 2006 إلى سنة 2023. أي أن الردع بهذا المستوى من ‏قبل أي مقاومة هو ردع استثنائي. الحمد لله، وفّقنا لهذا ‏الردع الاستثنائي‎.‎

لكن المهمة الأساسية للمقاومة هي التحرير. المقاومة تُطالب بإيمانها – إذا كان عندها قناعات – تُطالب باستعدادها للتضحية، ‏‏تُطالب باستمراريّتها، لكن لا تُطالب بمنع العدوان. يقولون كيف هناك مقاومة وهناك عدوان. يا أخي، هي المقاومة ‏لمواجهة ‏العدوان. يُقال للمقاومة هل أنت مستعدة لمواجهة العدوان أم لا؟ حين تقول المقاومة نعم، أنا مستعدة لمواجهة ‏العدوان، هذه هي ‏وظيفتها. ليست وظيفتها أن تمنع العدوان. العدوان سيحصل، وبالتالي لا بد من مقاومته‎.‎

إذًا، الردع، الذي يعني منع العدوان، وبالتالي وضع حدّ لحماية العدو من أن يُقدم على عمل معين، ليس وظيفة المقاومة، بل ‏هو وظيفة ‏الدولة والجيش. هما يجب أن يحقّقا الردع. وظيفة المقاومة هي المساندة للدولة والجيش. وظيفة المقاومة هي ‏التحرير. وظيفة ‏المقاومة أن تتصدى عندما لا تتصدى الدولة، وعندما لا يتصدى الجيش‎.‎‏ أي لدى المقاومة عدة وظائف، لكن ‏كلها في إطار الدفاع، وفي إطار التحرير، وفي إطار مساندة الجيش والدولة. وإذا لم يتوفر هذا، ‏تكون المقاومة متصدية للأمر ‏كما حصل‎.‎

إذًا، وظيفة المقاومة أن تساند، وتمنع استقرار العدو، وتساعد على التحرير. وحماية لبنان هي مسؤولية السلطة السياسية، ‏وليست ‏مسؤولية المقاومة ابتداءً. ‏

إذا كان الجيش غير قادر على الحماية. هل نطالب بنزع سلاحه؟ لا. إذا لم يكن قادرًا على ‏الحماية، نطلب أن نُعزز وجود ‏السلاح عنده. ‏

إذا كانت المقاومة لم تحقق الحماية ويتَغَوّل الإسرائيلي، هل نطالب بنزع القوة؟ أو ‏أننا نستفيد من هذه القوة لمساندة الجيش ‏ومساندة الدولة اللبنانية لمواجهة المحتل الإسرائيلي، ونستفيد من هذه القوة لتحقيق ‏المكتسبات؟

الطريقة في التفكير يجب أن تُعاد النظر فيها. المقاومة مستعدة لأقصى تعاون مع الجيش اللبناني، ساعدته على بسط السلطة ‏‏بسلاستها، وهي موافقة على استراتيجية دفاعية للاستفادة من قوة لبنان ومقاومته. لكنها ليست مستعدة لأي إطار يؤدي إلى ‏‏الاستسلام للكيان الإسرائيلي والطاغوت الأمريكي. هذا أولًا‎.‎

ثانيًا: مشكلة الدولة ليست حصرية السلاح من أجل النهوض بهذا البلد، حصرية السلاح بالصيغة التي تُطرح الآن في البلد ‏هو ‏مطلب أمريكي إسرائيلي. يكفي أن نُخفي على بعضنا البعض، يقولون “نحن اللبنانيون نريد حصرية السلاح، نحن ‏طرحنا حصرية ‏السلاح، ليس لها علاقة، تقاطع الأمر”، على من يضحكون؟ كلنا نعرف أنّ هذا المطلب، بصيغته التي تسمى ‏‏”نزع سلاح المقاومة”، ‏ويُصرّحون الجماعة، الأمريكيون والإسرائيليون يتحدثون، العالم كله يتحدث، هذا معناه نزع قوة ‏المقاومة‎.‎‏ فإذًا هذا مطلب إسرائيلي أمريكي، يكفي القول أن هذا مطلب لبناني، لا. إذا كان مطلبًا لبنانيًّا فليس وقته. وقته بعد ‏أن نُحرّر. أما ‏إذا كان مطلبًا إسرائيليًّا أمريكيًّا، فلماذا تصرّون على المطالبة به؟ حصرية السلاح بالمنطق الأمريكي ‏الإسرائيلي هي إعدام لقوة لبنان‎.‎

مشكلة الدولة هي مشكلة بالعقوبات المفروضة عليها، وهي مشكلة بالفساد المستشري. وكل هذا من عمل أمريكا منذ سنة ‏‏2019؛ ‏تعمل أمريكا على تخريب البلد، وعلى إيجاد الفوضى في داخله، حتى لا يبقى قادرًا على التحرك وحده‎.‎

بعض المتصدّين للمطلب الإسرائيلي الأمريكي بحصرية السلاح، بالمفهوم الأمريكي الإسرائيلي، هم من أصحاب الفتن ‏وروّاد ‏الفساد. ليس لهم حق أن يتكلموا، فليذهبوا أولًا ليصلحوا بيوتهم وأخلاقهم واتجاههم ومواقفهم السياسية ووطنيتهم‎.‎

الكيان الإسرائيلي يُهدّد، والطريق الوحيد بالنسبة للكيان الإسرائيلي هو الاستسلام حتى يكون لبنان تحت الإدارة الإسرائيلية ‏‏المباشرة. مع الاستسلام، لن يبقى لبنان. وهذه سوريا أمامنا. إن شاء الله أنتم تظنون أن سوريا تنتعش وتُرتّب وضعها؟ ‏لا، لا، ‏لا، لا، كل هذا زيف، عندما تكون إسرائيل قادرة أن تدخل متى ما أرادت، وعندما إسرائيل تفرض شروطها، عندما إسرائيل ‏تبقى تضعهم ‏تحت المجهر، وتحت الضرب، وتحت الشروط القاسية والمعقدة، هذا يعني أن الوضع لا يستقر في داخل ‏سوريا‎.‎

الاستسلام يؤدي إلى أن يزول لبنان. حسنًا، الواحد يقول: «إذا كانوا يهددونا، فماذا نفعل؟» لا نخضع لتهديداتهم. يعني إذا ‏هددونا، ‏مباشرة نخاف، ونجلس جانبًا، نقول: «لن نرد على تهديداتكم». قالوا ولكن «وإن نفذوا التهديد، ودمروا، وقتلوا». ‏فنقول لهم: ‏‏«نحن في المقابل ندافع، ونصمد، ونقف». يعني إذا يهددونا، نقول لهم: «الله يخليكم». لا، «الله لا يخليكم‎‏»‏‎.‎

إذا يريدون أن يقاتلوننا، نقف ونصمد، ومن قال إنهم سيحققون أهدافهم؟ يقولون: «لكن إذا قمنا بذلك، فالثمن كبير»؟ نقول ‏لهم: «أجل، لا ‏مشكلة، الثمن كبير، لكنه أقل من ثمن الاستسلام حيث لا يبقى شيء. مع الاستسلام لا يبقى شيء، ومع الدفاع ‏تُفتح الآفاق إلى ‏احتمالات كبيرة‎‏».‏

أنا هنا حضرني مثل: إذا كان عندنا وحش مجرم موجود في الغابة، وعندنا قرية، يريد الوحش أن يهجم على القرية، فماذا ‏نفعل؟ ‏نقول لأهل القرية: «ارحلوا من القرية لأنه حضرة الوحش المجرم يريد أن يدخل القرية، ونحن لا نقدر عليه؟»، بل ‏تجتمع القرية بصغيرها وكبيرها، الرجال والنساء، وكل العالم، وكل الإمكانات، وبالسلاح الأبيض وبالسلاح غير الأبيض، ‏لمواجهة الوحش ليقتلوه، ليطردوه، لـ”يزعبوه”، وليس هم يرحلون. نحن وضعنا هكذا، هناك وحش إسرائيلي. يقولون: ‏‏«أعطوه ما يريد»، يا أخي، لا يمكن، هو يعتدي، يجب أن يخرج. ‏

أنتم تعرفون خطة ‏العدو الإسرائيلي كانت بعد اغتيال سماحة السيد نصر الله، رضوان الله تعالى عليه، وكل الشهداء الأبرار، ‏وضرب القدرة التي ‏كانت لدينا بنسبة معينة. كل هدفها كان إزالة حزب الله من الوجود، إعدام وجود المقاومة. الخطة كانت ‏واضحة. لكن الحمد لله، ‏خضنا معركة “أولي البأس”، واستطعنا أن نمنع العدو من تحقيق هذا الهدف، وهو إزالة المقاومة ‏وحزب الله‎.‎

العدو الإسرائيلي اليوم يقول إن نتائج حربه على لبنان تتآكل مع مرور سنة من معركة “أولي البأس”. لماذا تتآكل؟ من ‏الطبيعي أن ‏تتآكل، هو لم ينتصر بتحقيق أهدافه؟ إضافة إلى أن وجود المقاومة يعني وجود الحياة، والشعب، والرؤوس ‏المرفوعة، والدماء التي ‏تُعطي العزة، هذا معنى المقاومة. فطبيعي جدًّا أن تتآكل النتائج التي تحدث عنها. ‏

مع وحدتنا وثباتنا‎‏ قد لا تحصل الحرب. خُدّام إسرائيل في لبنان يشجعونها على بلدهم وأولاد بلدهم. وعلى كل حال، إذا ‏حصلت الحرب، لن تحقق ‏أهدافها، وهذا أمر واضح بالنسبة إلينا‎.‎

ثالثًا: إذا كانت أمريكا تعمل لمصالحها في لبنان، تأكدوا أنها ستبحث عن حل. وإذا كانت أمريكا لا تهتم بوجود لبنان لمصلحة ‏‏إسرائيل، فلن تكون للبنان حياة استسلم أم واجه وقاتل‎.‎

يجب أن تعرفوا أمريكا ماذا تريد؟ الإسرائيليون لم يذهبوا إلى الحرب من دون قرار أمريكا. فلتعلم أمريكا – طالما هي التي ‏تدير ‏الموضوع – فلتعلم أمريكا أننا سندافع حتى لو أطبقت السماء على الأرض، لن يُنزع السلاح تحقيقًا لهدف إسرائيل، ولو ‏اجتمعت ‏الدنيا بحربها على لبنان‎.‎‏ افهموا جيدًا: الأرض والسلاح والروح خلطة واحدة مُتماسكة. أي واحد تريدون نزعه أو ‏تمسّون به، يعني أنكم تمسّون بالثلاثة ‏وتريدون نزعها. وهذا إعدام لوجودنا، ولن نسمح لكم، ولن يكون هذا. نحن أبناء ‏الحسين عليه السلام: «ألا وإن الدعيَّ ابنَ الدعيّ قد ‏ركّز بين السلّة والذلّة، وهيهات منّا الذلّة‎‏».‏

رابعًا وأخيرًا: هذه سرديتنا قدمناها، وهذا هو موقفنا الذي لن نتزحزح عنه. هذا الموقف هو أشرف موقف وطني، لا يحتاج ‏إلى ‏شهادة من أصحاب التاريخ الإجرامي الأسود، أو التاريخ الفتنوي، أو تاريخ الفساد‎.‎

المقاومة حقّقت أربعة إنجازات عظيمة‎:‎

‏1.‏ حرّرت الأرض سنة 2000‏‎.‎

‏2.‏ صمدت في مواجهة التحديات، وخاصة معركة 2006‏‎.‎

‏3.‏ ردعت العدو الإسرائيلي من 2006 إلى 2023‏‎.‎

‏4.‏ أوقفت اجتياح لبنان وابتلاعه، بالصمود الأسطوري للمقاومين المجاهدين، وأهل المقاومة الشرفاء، وكل المقاومين الذين ‏‏تماسكوا في مواجهة العدو الإسرائيلي في معركة “أولي البأس” وما بعدها‎.‎

إذًا، المقاومة حقّقت أربعة إنجازات عظيمة: حرّرت، وصمدت، وردعت، وأوقفت اجتياح لبنان وابتلاعه‎.‎

اسمعوا براك، المنظر الأمريكي للمنطقة، ماذا قال لوكالة بلومبرغ: «إسرائيل لن تتمكن من تحقيق أهدافها عبر محاولة سحق ‏‏حزب الله عسكريًّا». وقال: «إن قتل مسلح واحد سينتج عشرة آخرين، ولذا لا يمكن أن يكون هذا هو الحل‎‏».‏

هذا الاستنتاج الذي وصل إليه، في الوقت الذي كان فيه في البداية ماذا يقول: «خلّي الجيش يقاتل، خلّي الفتنة تحصل… ‏مباشرة ننتهي، لماذا الدولة لا تعمل؟» وصل لطريق مسدود، عرف النتيجة: إذا قتلونا تنبت دماؤنا، وإذا استسلم لبنان أصلًا ‏‏ينتهي أثر لبنان ويُمحى تاريخه ويصبح بلا مستقبل‎.‎

مع إسرائيل – افتحوا لي آذانكم – مع إسرائيل لا مكان للمسلمين في لبنان، ولا مكان للمسيحيين في لبنان. هؤلاء قتلة الأنبياء، ‏‏يكرّرون التجربة مع أتباع محمد وعيسى‎.‎

عندما يقول براك بأنه يريد ضم لبنان إلى سوريا، ليس المرة الأولى، من الأول كان يقول: «يجب أن يكون هناك البلاد ‏الشامية الواحدة». ‏والآن عاد وكرّرها. لكن انتبهوا: هذا لا يتحدث كلامًا بالهواء، هذا يتحدث كلامًا يؤسّس له للمستقبل‎.‎‏ براك ‏يريد ضم لبنان إلى سوريا، فتضيع الأقليات في هذا البحر الواسع في سوريا، أو تهاجر. اعرفوا من سيَبقى ومن لن يبقى. ‏هذا ‏مشروع خطير جدًّا‎.‎

ألم تسمعوا أن نتنياهو يريد إسرائيل الكبرى؟ ألم تسمعوا أنه يريد تغيير الخارطة؟ ألم تسمعوا أن ترامب يعتبر أن إسرائيل ‏‏صغيرة، ويريد أن يضم إليها شيئًا ما؟ إذا كان ترامب يريد أن يضم كندا، ويريد أن يضم قناة بنما، ويتغول اليوم على ‏فنزويلا، ‏وأوروبا بالنسبة له مجموعة ضعفاء لا قيمة لهم، هل صعب عليه أن هذا لبنان الذي هو نقطة في الخارطة يتخلى ‏عنه لمصلحة سوريا؟

انتبهوا يا جماعة! المشروع خطير جدًّا، ممكن ألا يبقى لبنان، هذه كلها مقدمات. ماذا يفعلون؟ يُضعّفون المقاومة أو ينهونها ‏كما ‏يريدون ويرغبون. يترك الجيش اللبناني يتسلح بمقدار بسيط، ودائمًا لاحظوا يقولون: «إن الجيش اللبناني عنده ‏حاجات»، لماذا عنده حاجات؟ أليست أميركا تسلحه؟ لأن أمريكا تعطيه بقدر يسمح له أن يكون قادرًا على نزع السلاح فقط. ‏أي شيء زيادة ممكن يُعطي ‏قوة للجيش، لا يريدون قوة للجيش. هذه هي وظيفة الجيش؟ وظيفته أن ينزع السلاح، وأن يدخل ‏بمشكلة بالداخل؟ ليس عنده وظيفة ‏أنه يقاتل أو يحمي! هكذا يعملون وبهذه الطريقة يعملون‎.‎‏ لماذا؟ حتى يكون لبنان بلا قوة، ‏عندها تسهل الحلول، ويستطيعون أن يقوموا بما يريدون.‏

فَلْتَتَوَقَّف الدولة عن التنازلات. ألم تسمعوا السفير الأمريكي ماذا قال؟ يقول: «المفاوضات شيء، واستمرار إسرائيل بعدوانها ‏‏شيء آخر». على من يضحك هذا؟ أنتم ألم تفهموا، لا تقرأون ماذا يقول هذا الرجل؟ هناك منطق واضح، يقول: المفاوضات ‏مسار مستقل، أي العدوان سيستمر‎.‎‏ ما فائدتها أن نجري مفاوضات من دون أن نوقف العدوان؟ معناه أن المطلوب أن يكون ‏مُجرّدًا‎.‎

أدعو الدولة أن تتراجع، وأن تعيد حساباتها. طبّقوا الاتفاق، وبعد ذلك ناقشوا في الاستراتيجية الدفاعية‎.‎

موقفنا واضح: طبّقوا الاتفاق، وبعدها نناقش في الاستراتيجية الدفاعية. لا تطلبوا منا ألا ندافع عن أنفسنا، والدولة عاجزة عن ‏‏حماية مواطنيها. فلتؤمن الدولة الحماية والسيادة، وعندها نضع كل شيء على طاولة حوار الاستراتيجية الدفاعية، ونصل إلى ‏‏النتيجة إن شاء الله‎.‎

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته‎.‎

عن وكالة ميادين المقاومة

شاهد أيضاً

السيد فضل الله: على الحكومة مسؤولية التخفيف من معاناة أهالي القرى المحتلّة والعمل على عودتهم

استقبل العلّامة السيّد علي فضل الله وفدًا من بلدية الجبين برئاسة جعفر عقيل، الذي وضعه …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *