أخبار عاجلة

عامٌ من الهندسة الإسرائيلية: الجنوب متروك للعدوّ

يواصل الإحتلال الإسرائيلي سعيه إلى هندسة الجنوب السوري مستغلّاً فراغ الشرع وعجز السلطة عن حماية الحدود السورية، في حين لا يقابل ذلك، من جانب الولايات المتحدة، إلا محاولات لضبط الاندفاع الإسرائيلي، من دون أن تصل إلى حدّ ممارسة ضغط حقيقي على تل أبيب.

لم تجد رسائل السترضاء التي بعث بها الشرع عقب سقوط النظام، نفعاً في تخفيف التوغّلات الإسرائيلية ومخاطرها

بدا العدو الإسرائيلي، عقب سقوط النظام السوري السابق، أشدّ الأطراف حماسةً واستعجالاً لاستثمار هذا التحوّل. بدأ الأمر مع وصول «هيئة تحرير الشام» إلى حمص، حيث خرج خطاب إسرائيلي متمايز عن سياق «المعركة بين الحروب»، بادّعاء تل أبيب أنّ وصول أسلحة كيميائية، قالت إنّ النظام السابق يملكها، إلى أيدي قوات المعارضة، يشكّل تهديداً جدّياً للأمن الإسرائيلي. انفتح بذلك الباب أمام الانقلاب على قواعد بقيت «صامدة» طوال خمسين عاماً، رغم أنّ هذه القواعد نفسها بدأت تتخلخل بقوة بعد «طوفان الأقصى»، وهو ما جلّاه إنزال مصياف في أيلول 2024، والذي وصفه جيش العدو بـ«أكبر جسر جوّي لعملية عسكرية إسرائيلية في أثناء الخمسين عاماً الماضية»، واستُكمل بالإنزالات الصامتة التي نُفّذت إثر سقوط النظام، واستهدفت مناطق في ريف دمشق الغربي، بحسب معلومات «الأخبار».

هكذا، وجدت إسرائيل في زلزال السابع من تشرين الأول، فرصة لتثبيت مرتكزات عقيدتها الأمنية الجديدة، القائمة على ترك «المعركة بين الحروب» التي قلب «طوفان الأقصى» حساباتها في شأنها، والانتقال إلى الحرب المباشرة والمستمرة، التي تستند إلى مبدأ «المنع الاستباقي». وعليه، انصبّ تركيز إسرائيل، بعد سقوط النظام، على تدمير مقوّمات القدرة العسكرية السورية، من مطارات ومخازن صواريخ ومراكز بحوث علمية وسفن حربية وأنظمة دفاع جوّي. ثم تطوّرت الأمور إلى استغلال الفراغ الأمني في جنوب البلاد لفرض واقع أمني بالقوة، لا تملك دمشق ولا داعموها الإقليميون القدرة على تغييره. وتمثّل ذلك بإقامة تسع نقاط عسكرية، انطلاقاً من قمم جبل الشيخ، عقب إسقاط «المنطقة العازلة» (اتفاق 1974)، وخلق هامش عملياتي أعاد برمجة الواقعَين الأمني والاجتماعي، فضلاً عن تثبيت قواعد من شأنها أن تمنع حتى إمكانية المواجهة المباشرة – مع دمشق أو حليفتها أنقرة -، وفق ما دلّ عليه مثلاً استهداف «مطار T4» في آذار الماضي.

على أنّ الأمر لم يقتصر على ذلك، بل تعدّاه إلى تغييرات ديمغرافية فرضت تهجيراً للسكان، إمّا بفعل السلوك الإسرائيلي المباشر، أو بفعل الخشية المسبقة منه. وتدلّ على ما تقدّم بوضوح، إقامة قاعدة الحميدية، وهي نقطة عسكرية استُخدمت لهندسة النشاط الاجتماعي، عبر تقديم خدمات طبية (ظاهرية) عبرها، علماً أنّ القاعدة تقع عند نقطة الالتقاء بين الريفين الشمالي والأوسط للقنيطرة، قرب مركز المحافظة، وقد أُقيمت على أراضٍ تعود إلى مواطنين سوريين جرى تهجيرهم بعد هدم حيّ كامل يضمّ نحو 15 منزلاً في محيطها، إلى جانب تجريف الأشجار المثمرة والحراجية لتأمين مجال كشف واسع حولها.

“تبدو المقاربة الاستراتيجية السورية لمعالجة خطورة التوغّل الإسرائيلي غائبة حتى الآن”

وبحسب معلومات «الأخبار»، فقد عرض العدو «تعويضات مالية مرتفعة على أصحاب المنازل المدمّرة»، في وقت دأب فيه على توزيع مساعدات غذائية ومحروقات في المنطقة، كان آخرها 50 لتراً من المازوت، وذلك في إطار محاولات استمالة الأهالي وإدارة المجال المدني. وتشير المعلومات إلى أنّ بعض العائلات المهجّرة تخشى العودة في الوقت الحالي، ما ولّد لدى قسم منها ميلاً واقعياً إلى الإقامة في دمشق وريفها، ولا سيّما في المنازل التي أعادت السلطة الانتقالية تأهيلها في ريف دمشق الغربي.

إلى جانب ما تقدّم، أسهمت الاعتقالات التعسّفية والحواجز المؤقّتة ونقاط التفتيش وتجريف الأراضي الذي باشرته قوات الاحتلال عقب سقوط النظام – وهي إجراءات سُجّل أغلبها في القنيطرة -، في خلق واقع اجتماعي ضاغط، دفَع ببعض الأهالي إلى تقنين حركتهم، وإعادة التفكير في سبل العيش. وفي خصوص المعتقلين، فقد انخفض عددهم بعد أربع حالات إفراج في ريف درعا الغربي والقنيطرة وبيت جن، إلى 41 معتقلاً، يشكّل أبناء القنيطرة العدد الأكبر منهم، ومن بينهم 8 معتقلين من بيت جن في ريف دمشق، كان انخفض عددهم – من 10 – بعد حالتَي إفراج أعقبتا مواجهة 28 تشرين الثاني، و4 منهم من عائلة واحدة. وسُجّلت أحدث حال اعتقال، مساء الأربعاء، بحق مزارع من قرية عين القاضي، في أثناء مروره بدراجته النارية على طريق المشيدة قرب خط وقف إطلاق النار، حيث أقيم حاجز مفاجئ، واقتيد المزارع منه مباشرة إلى داخل الأراضي المحتلة. وبحسب معلومات «الأخبار»، فإنّ آثار الاعتقال لا تتوقّف عند لحظة حدوثه، إذ تبعت توقيف بعض الشبّان، في أثناء الأشهر الماضية، مداهمات دورية لمنازل ذويّهم، وذلك بهدف الضغط النفسي والترهيب الاجتماعي، إلى جانب مراقبة العائلات التي اعتُقل أبناؤها بذريعة البحث عن أسلحة أو الارتباط بأنشطة «غير مدنية».

ويعكس ما سبق سعيَ إسرائيل إلى صياغة خطوط اشتباك جديدة تتجاوز الحدود، وتمتدّ إلى عمق الأراضي السورية، في حين لا يقابل ذلك، من جانب الولايات المتحدة، إلا محاولات لضبط الاندفاع الإسرائيلي، من دون أن تصل إلى حدّ ممارسة ضغط حقيقي على تل أبيب، يجبرها على تقليص «نشاطها» العسكري. إذ يقتصر الأمر على تنبيهها إلى إدارة سلوكها على قاعدة اقتراب التوصّل إلى تفاهم أمني، فيما عين إسرائيل مفتوحة على ما هو أوسع من هذا التفاهم – التقرير في مستقبل سوريا السياسي -، وأذناها مسدودتان أمام أي نقاش حول وضع الجولان المحتل، وشهيّتها لا يفتحها التوجّه الأميركي الجديد القائم على مبدأ «الأمن قبل الازدهار». ويُضاف إلى ما تقدّم، فقدان الثقة بقدرة الشرع على الإيفاء بـ«التزاماته»، خصوصاً لجهة منع السلاح العابر من إيران إلى «حزب الله»، والقناعة بأنّ البقاء «الناشط» في الجغرافيا السورية، من شأنه أيضاً أن يُجبر دمشق على القبول بالواقع الجديد والرضوخ للشروط الإسرائيلية المطلقة.

أمّا على المقلب السوري، فلم تجد رسائل الاسترضاء التي بعث بها الشرع عقب سقوط النظام، والتعهّد بألّا تكون سوريا «مصدر تهديد لأحد»، نفعاً في تخفيف مخاطر التوغّلات الإسرائيلية. ورغم تغيّر لهجة الشرع لاحقاً، وتأكيد التمسّك بالانسحاب إلى خطوط «فضّ الاشتباك»، تبدو المقاربة الاستراتيجية السورية لمعالجة خطورة التوغّل الإسرائيلي غائبة حتى الآن. والظاهر أنّ السلطة الانتقالية لا تمتلك سوى الرهان على حجم الدعم العربي، وكذلك الأميركي، في ترتيب بيت التفاهم المنشود مع تل أبيب، رغم تنبيه واشنطن، الشرع، إلى أنّ مسار البناء الداخلي ووقف المجازر بحق الأقليات يشكّلان جزءاً لا يتجزّأ من معادلة الأمن الحدودي مع إسرائيل، المشروط بها، من جهة أخرى، التقدّم في إلغاء عقوبات «قيصر».

عن وكالة ميادين المقاومة

شاهد أيضاً

«الوحدة النسائية» في حزب اللّٰه تنطلق رسمياً: نحو تنظيم الدور وتوحيد الجهود

بعد سنوات طويلة من العمل النسائي في مؤسسات حزب الله وهيئاته، أُعلن اليوم عن انطلاق …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *