الهدف التالي «اتحاد الشغل»: سعيّد يستكمل تصفية معارضيه
وكالة ميادين المقاومة
4 أيام مضت
أخبار هامّة, الرئيسية, النشرة الدولية, مقالات مختارة, منوّعات
يواصل الرئيس التونسي إحكامَ قبضته على الحياة السياسية عبر حملة الاعتقالات وتوظيف القضاء في تونس، فيما تتصاعد المواجهة مع «اتحاد الشغل» وسط أزمة إقتصادية خانقة.

أعـلاه | تظاهرة كان شعارها: «المعارضة ليست جريمة»!
بينما يتطلّع التونسيّون إلى مناقشات موازنة البلاد، آملين سنّ إجراءات من شأنها تخفيف التضخّم وإحداث انتعاشة اقتصادية، تركّز السلطة جهودها على «تصحير» الساحة السياسية فحسب، في ظلّ تنفيذ مزيد من الاعتقالات بحقّ المعارضين. وألقت السلطات، الأسبوع الماضي، القبض على رئيس «جبهة الخلاص الوطني»، أحمد نجيب الشابي، تنفيذاً لحكم قضائي صادر في حقّه يقضي بسجنه اثنتي عشرة سنة ومراقبته إدارياً خمس سنوات، وذلك بعد إدانته في قضية «التآمر على أمن الدولة» وتأييد الحكم إستئنافياً.
وتُعدّ قضية «التآمر»، في تقدير المعارضة التونسية ومنظمات حقوقية محلية ودولية، قضية كيدية ضد المعارضة، لم تستند إلى أدلة قاطعة على العمالة أو التواطؤ مع جهات أجنبية لإسقاط النظام وتبديل هيئة الحكم، وفق ما تدّعيه السلطات. كذلك، يجزم محامو الدفاع في القضية، الذين فاق عددهم المئة، بأن إجراءات المحاكمات لم تراعِ الحدّ الأدنى من الشروط العادلة، فيما لم يستجب القضاة لأيّ من طلبات الدفاع، حتى تلك المتعلّقة بجلب المتّهمين لحضور جلساتهم وتمكينهم من الدفاع عن أنفسهم.
و إسم الشابي لم يرِد في البداية ضمن الملف، بل أضيف لاحقاً بذريعة وجود محادثات خاصة مع شخصيات سياسية، من بينها شقيقه المحكوم بعشرين سنة سجناً في القضية نفسها، علماً أن الأخير انتقد إجراءات الرئيس قيس سعيّد التي حلّ بموجبها البرلمان وصفّى الحياة السياسية في الخامس والعشرين من تموز 2021، داعياً إلى العمل السياسي المكثّف لمناهضتها، وممارسة ضغط دولي عبر المنظمات الحقوقية ومجلس أوروبا لدفع الرئيس إلى التراجع عن هذه الإجراءات. وكانت تلك المحادثات كافية، في نظر الجهاز القضائي، لإصدار أحكام رَاوحت بين اثنتي عشرة سنة واثنتين وأربعين سنة سجناً بحقّ عشرات الشخصيات السياسية التي زُجّ بها في القضية، بما شمل معظم رؤساء الأحزاب وقيادات الصفّ الأول، لتخلو الساحة السياسية تماماً لصالح سعيّد والتكوينات التي نشأت خلال السنتين الماضيتين لمساندته.
ولم تقتصر الاعتقالات الحديثة على الشابي؛ إذ جرى اعتقاله بالتزامن مع حملة طاولت آخرين وردت أسماؤهم في الملف نفسه، بينهم الصحافية شيماء عيسى التي أُلقي القبض عليها، في تظاهرة كان شعارها الأساسي: «المعارضة ليست جريمة». وفي المقابل، سجّلت الأوساط الحقوقية والدولية استنكاراً واسعاً لإعتقال الشابي والأحكام المشدّدة بحقّ سائر المحكومين، وتعدّدت بياناتها المُطالِبة بتحييد الجهاز القضائي عن الصراع السياسي ووقف استخدامه لتصفية الخصوم.
“تلوح بوادر معركة ضارية بين نظام سعيّد و«الاتحاد العام التونسي للشغل»”
ويأتي هذا فيما تلوح بوادر معركة ضارية بين نظام سعيّد و«الاتحاد العام التونسي للشغل» خلال الأسابيع المقبلة؛ إذ إن خطوة الرئيس المقبلة – بعد الانتهاء من تصفية الحياة السياسية ومحاصرة منظمات المجتمع المدني مالياً وقضائياً، وزجّ معظم هيئاتها القيادية في السجون -، ستتمثل في الالتفات إلى أعرق منظمة نقابية في البلاد. وإن لم تكن القطيعة بين سعيّد و«اتحاد الشغل» خافية خلال السنوات الماضية، فقد تجلّت هذا العام بشكل أوضح، بعد امتناع سعيّد حتى عن إحياء ذكرى استشهاد فرحات حشّاد، مؤسّس «الاتحاد»، بالشراكة مع المنظمة النقابية، وتفضيله زيارة ضريحه منفرداً، ليستثمر المناسبة في استغلال مقولات حشّاد المناهضة للإستعمار الفرنسي والمُطالِبة بالحرية، ضدّ خصومه السياسيين الحاليّين وقيادات «الإتّحاد» نفسه.
ويرى مراقبون أن سعيّد يعتبر نفسه «حشّاد عصره»، و«المدافع عن حقوق العمال»، وعدوّ «الخونة والعملاء»، ورائد تحرّر وطني في مواجهة أيدي الاستعمار في تونس؛ وهي الرسالة التي سعى إلى إيصالها خلال ظهوره أمام ضريح حشّاد في الخامس من كانون الأول. في المقابل، استغلّت القيادة النقابية الذكرى نفسها لتأكيد عدم رضاها عن أداء سعيّد واستفراده بالسلطة. وقال الأمين العام لـ«الاتحاد»، نور الدين الطبوبي، إن واقع الحريات في البلاد «مأزوم»، داعياً إلى «التصدّي لضرب الحياة السياسية والمدنية»، و«تنقية» المناخ السياسي باتجاه «مسار ديمقراطي يضمن الاختلاف والحقّ في العمل السياسي». غير أن المنظمة، التي أمهلت سعيّد وحكوماته الستّ منذ عام 2021 وقتاً طويلاً لفتح حوار سياسي واجتماعي، لم تعد قادرة على كبح غضب العمّال والموظفين، خصوصاً في ظل التضخّم وانهيار القدرة الشرائية وإغلاق باب التفاوض حول الزيادات في الأجور، ما اضطرّها، الجمعة الماضي، إلى إعلان خوض إضراب عام سيتم تنظيمه في 21 كانون الثاني المقبل، ويشمل مختلف مرافق البلاد.
ومن المتوقّع أن يكون الردّ على هذه الخطوة عبر تحريك ملفات وقضايا قضائية ضدّ قيادات «الاتحاد»، وذلك بهدف عزلها وتجريدها من دورها الاجتماعي. واستبقَ الأمين العام المساعد لـ«الاتحاد»، سامي الطاهري، أيّ خطوات من النوع المذكور بالتأكيد أن التهديدات وحملات الترهيب التي تتعرّض لها القيادات النقابية لن تثنيها عن المضيّ قدماً في تحرّكاتها وتنفيذ الإضراب.
وإلى جانب الاحتقان السياسي والاجتماعي، يأتي إعلان الإضراب العام على خلفية الغموض الذي يلفّ مشروع قانون موازنة البلاد، الذي يناقشه المجلس التشريعي بغرفتيه، علماً أن الحكومة رفضت مقترحات النواب بفرض ضريبة على الثروة تستهدف رجال الأعمال وكبار المستثمرين، ولجأت في المقابل إلى اقتطاعات من أجور العمال. وبحسب خبراء، فإن المشروع لن يُحدِث أيّ انتعاشة اقتصادية ملموسة، في وقت يستمر فيه التعويل على البنك المركزي لتمويل المالية العمومية، ما يعني إثقال كاهل هذه الأخيرة، واحتمال استيلاد تبعات وخيمة على المستوى الشعبي.
مرتبط