أخبار عاجلة

إيران وتحوّلات القوقاز الجنوبي: محاولة لإستمالة أذربيجان

لم تهضم إيران بعد تبدُّل موازين القوى في القوقاز الجنوبي. الانتصارات التي حقّقتها أذربيجان على أرمينيا، وآثارها على مصالح طهران في هذه المنطقة، فضلاً عن العلاقات المتعاظمة بين باكو وتل أبيب، كلّها ملفات تؤرق الجمهورية الإسلامية، وتدفعها إلى تكثيف محادثاتها.

تريد طهران أن تُحلّ مع باكو ملفّات الممرّات، وترسيم الحدود، والترتيبات الأمنية في إطار تعاون إقليمي شامل

في وقت لا تزال فيه العلاقات بين إيران وأذربيجان المتجاورتين، متأثّرة بصورة أساسية بالخلافات حول التحوّلات الجيوسياسية في جنوب القوقاز، ما بعد حربَي 2020 و 2023، وفي ظلّ تعاون يتّخذ طابعاً استراتيجيّاً بين باكو وتل أبيب، تعتبره طهران تهديداً محتملاً لأمنها القومي، وصل وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، إلى العاصمة الأذربيجانية، أمس، حيث التقى الرئيس إلهام علييف، وتناولا «حزمة من القضايا الثنائية، بما في ذلك مسار التفاعلات السياسية، والمسائل المرتبطة بحسن الجوار، وآليات إدارة العلاقات بين البلدين». وأكّد عراقجي عزم بلاده على «تعزيز وتوسيع علاقاتها مع أذربيجان في مختلف المجالات ذات الاهتمام المشترك»، مشدّداً، في الوقت نفسه، على «أهميّة المشاورات الدبلوماسية المستمرة في إزالة سوء الفهم وإدارة القضايا العالقة بين الجانبَين». من جانبه، قال علييف إن للعلاقات بين البلدين تاريخاً طويلاً، وإن «تعايش الشعبَين لقرون طويلة يمنح هذه العلاقات أهميّة خاصة»، مؤكّداً أن جدول الأعمال الثنائي بينهما واسع ويشمل العديد من المجالات، مع الإشارة إلى وجود «خرائط طريق واضحة» في شأن جميع المسائل. وجزم الرئيس الأذربيجاني، بدوره، أن اللجنة الحكومية المشتركة تعمل بنجاح كبير، لافتاً إلى التعاون في مجالات الاقتصاد والتجارة والنقل والطاقة وغيرها.

وفي باكو، التقى عراقجي، نظيره جيحون بايراموف، واتّفقا، وفق ما أعلنه الوزير الإيراني في مؤتمرهما الصحافي المشترك، على «مواصلة الحوار والمشاورات وزيادة وتيرة الزيارات المتبادلة»، إذ إنه «لدينا الكثير من القواسم المشتركة والمصالح في مجال التعاون المتبادل، غير أنّ هناك أيضاً بعض الخلافات التي يجب حلّها في إطار الحوار». كما عقد عراقجي لقاءَين منفصلَين مع كلٍّ من نائب رئيس الوزراء الأذربيجاني شاهين مصطفييف، ورئيسة البرلمان صاحبة غفاراوا.

ويعود الخلاف الإيراني – الأذربيجاني المستجدّ، إلى التحوّلات الجيوسياسية التي أعقبت انتصار باكو على يريفان في حربَي 2020 و 2023، واستعادتها المناطق المتنازَع عليها، وتالياً تغيير موازين القوى التقليدية في جنوب القوقاز، وهو ما أثار قلق إيران من تداعيات هذا التحوّل على أمن حدودها الشمالية الغربية. ولعلّ من أكثر الملفّات إثارةً للجدل هنا، مشروع «ممرّ زينغزور» الذي طرحت صيغته الأولى احتمال إنشاء ممرّ عابر للحدود – تحت سيطرة أذربيجان – داخل الأراضي الأرمينية، الأمر الذي اعتبرته طهران تهديداً لطريق تواصلها الحيوي مع يريفان. وفي ظلّ التفاهم الأخير بين أذربيجان وأرمينيا حول إنشاء مسارٍ بديل، أُطلِق عليه اسم «ممرّ ترامب»، ويتيح ربط أذربيجان بجمهورية نخجوان من دون أيّ تعديل في الحدود، تراجعت حساسية إيران؛ وإنْ كانت لا تزال تخشى من أن تتحوّل المسارات الجديدة إلى منصّات للنفوذ الغربي أو إلى مسرح احتكار جيوسياسي يعيد تشكيل التوازنات في الإقليم.

“ترى إيران أنّ تفعيل آلية «3+3» يمثّل الحلّ الأمثل لإدارة التطوّرات في المنطقة”

ومن هنا، ترى إيران أنّ تفعيل آلية «3+3» يمثّل الحلّ الأمثل لإدارة التطوّرات في المنطقة، ذلك أن الصيغة السداسية التي تضمّ إيران وروسيا وتركيا، إلى جانب دول جنوب القوقاز الثلاث: أذربيجان وأرمينيا وجورجيا، تُعدّ، من وجهة نظر طهران، أداةً لـ»أمننةٍ داخلية» تقطع الطريق على التدخّل الأميركي والأوروبي في الملفات الحسّاسة للإقليم. وفي ضوء ما تقدَّم، يمكن فهمُ تشديد عباس عراقجي على أهمية هذه الآلية خلال زيارته لباکو، إذ إن بلاده تريد أن تُحلّ ملفّات الممرّات، وترسيم الحدود، والترتيبات الأمنية في إطار تعاونٍ إقليمي شامل، يضمن حفظ التوازن الجيوسياسي وتقليص المخاوف من أيّ تغييرات محتملة قد تضرّ بمصالحها. غير أنّ أذربيجان تنظر، في المقابل، إلى «3+3» بوصفها إطاراً مفيداً حين يخدم تعزيز مشاريعها الترانزیتیة وتثبيت مكاسبها الجيوسياسية، لكنها لا ترغب في أن تتحوّل تلك الصيغة إلى أداةٍ تُقيّد حرية مناوراتها. كما أنها تفضّل أن تكون الشراكات الإقليمية مُكمِّلةً لعلاقاتها مع القوى الغربية، لا بديلةً منها؛ ولذلك، فهي، خلافاً لطهران، ترى في الـ»3+3» إطاراً اختياريّاً ومكمّلاً، وليس ضرورةً أمنية.

ويفسّر هذا الاختلاف في المقاربة تفاوتَ مستوى الحماسة بين الطرفَين تجاه تفعيل المسار الإقليمي المذكور، إذ شدّد عراقجي على ضرورة تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة، رافضاً أيّ شكل من أشكال التدخّل الخارجي في القوقاز، ومعتبراً أنّ آلية «3+3» تشكّل إطاراً مناسباً لتوسيع التعاون الإقليمي، خصوصاً أن «أمن المنطقة يجب أن تؤمّنه دولُها نفسها»، وأن «أيّ تدخّل خارجي في هذا الشأن سيكون مُدمِّراً». ومن جانبه، قال بایراموف: «ناقشنا الصيغ الإقليمية والمجالات السياسية والاقتصادية، إضافةً إلى الصيغ الثلاثية أذربيجان – إيران – روسيا، وأذربيجان – إيران – تركيا، ومن المُقرّر مواصلة هذا الحوار».

ومن بين أوجه الخلافات بين البلدَين أيضاً، التعاونُ الوثيق بين أذربيجان وإسرائيل، ذو الطابع الاستراتيجي والأبعاد الأمنية والعسكرية التي تُعدّ شديدة الحساسية بالنسبة إلى إيران، علماً أن هذه الأخيرة كانت أعربت مراراً عن قلقها من الوجود الاستخباري والعملياتي الإسرائيلي على مقربة من حدودها. وفي الأشهر الماضية، أفادت تقارير باحتمال استخدام إسرائيل مطارات في أذربيجان أو مجالها الجوّي لتنفيذ عمليات ضدّ إيران، في ما اعتبرته طهران جرسَ إنذار، وإنْ كانت باكو نفت تلك الادّعاءات. وفي هذا الجانب، شدّد عراقجي على أنّه «لا ينبغي السماح لأيّ طرف خارجي بأن يُفسد هذه العلاقة أو يدفع بها نحو مسار غير مرغوب فيه».

عن وكالة ميادين المقاومة

شاهد أيضاً

«الوحدة النسائية» في حزب اللّٰه تنطلق رسمياً: نحو تنظيم الدور وتوحيد الجهود

بعد سنوات طويلة من العمل النسائي في مؤسسات حزب الله وهيئاته، أُعلن اليوم عن انطلاق …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *