أخبار عاجلة

ما بعد نظام الأسد: هوّية الشرع البصَرية لا تُطعم خبزاً

أنتج عام الشرع الأول تفاقماً للأزمات وتعاظماً للتهديد الإسرائيلي وسط فشل السلطة الانتقالية في الوفاء بوعودها وإعادة بناء سوريا

لعلّ انشغال السلطات الانتقالية بمشاريع «الهوّية البصَرية»، وآخرها الحديث عن هوّية بصَرية لكل محافظة، يختصر العقلية التي تدير البلاد اليوم

أنتجت أحداث العام الأول على سقوط نظام الرئيس السابق بشار الأسد، واستلام السلطة الانتقالية الجديدة زمام الأمور، فشلاً ذريعاً في تحقيق الوعود التي أطلقها الرئيس المؤقّت أحمد الشرع، مع تزايد التوترات السياسية والأمنية الداخلية والإقليمية، ولا سيّما تعاظم التهديد الإسرائيلي لسوريا ومسارعة الاحتلال في قضم الجنوب السوري.

ولعلّ أقوى المؤشّرات على زيف الادّعاءات التي تروّج لها السلطات الانتقالية وداعموها من القوى الغربية والعربية، عبر تقديم صورة وردية للوضع السوري عبر الإعلام الداعم للإدارة الجديدة، هو هشاشة الوضع الاقتصادي وتراجع الدعم المادي الدولي المقدّم لسوريا مع تبدّل نظامها وموقعها السياسي، لا سيّما في ظلّ الأولويات المستجدّة التي باتت تطبع اهتمامات القوى الدولية والعربية ذات القدرة المالية.

فبينما يئنّ السوريون تحت أسوأ الظروف الاقتصادية، وتقع غالبية المواطنين تحت «خطوط» الفقر وتهديد الأمن الغذائي، مع تراجع قدرات الإنتاج المحلّي الزراعي والقدرة الشرائية إلى حدود خطيرة، لم تقدّم الدول ما روّجت إليه السلطات الجديدة من تقديمات، خصوصاً بعد أن كشف «مؤتمر بروكسل» التاسع لدعم سوريا، تراجعاً ملحوظاً بأكثر من مليارَي دولار عن الدعم الذي تمّ منحه في المؤتمر الثامن في عهد النظام السابق. إذ لم يتجاوز الدعم هذا العام 6 مليارات دولار، منها ملياران كقروض، بما فيها للسلطات الانتقالية ولمناطق «الإدارة الذاتية» في الشرق السوري ولدول الجوار.

ممّا لا شكّ فيه أنّ القوى الغربية والعربية ذات القدرة على التمويل وتقديم الدعم، لا تُدرج التبرّع بالأموال، أو حتى بالقروض، للسلطة الانتقالية على أولويات جدول أعمالها، وهي الغارقة في حروب الضرائب والركود الاقتصادي العالمي. والأهمّ هو تركيز القوى الغربية اهتماماتها على الأمن وبناء الجيوش، وإهمال دور الداعم التنموي في العالم الثالث بشكل واضح. أمّا القوى العربية، فهي الأخرى غيّرت من سياسات الدعم المالي غير المشروط للحلفاء، إلى سياسة الاستثمار المباشر على طريقة الشركات الغربية الكبرى.

هذه التحوّلات في المنظومة الغربية على خلفية الحرب الروسية – الأوكرانية، وانتقال سوريا إلى الهيمنة الأميركية مع سقوط النظام السابق، قلّلت من أهميّة تقديم الدعم المالي للسوريين بالنسبة إلى الغربيين، وخفّضت من أهميّة دعم ملف اللاجئين، ولا سيّما في المخيّمات داخل سوريا أو في دول الجوار مثل لبنان والأردن وتركيا. بل على العكس من ذلك، تسعى الدول الأوروبية الغربية إلى إنهاء ملفّ اللجوء بالقول إنّ الظروف في سوريا باتت سانحة للعودة، مع ما يتطلّب ذلك من تعتيم على الواقع في المخيّمات مثلاً، والتعمية الإعلامية على حقيقة الأوضاع السياسية والاقتصادية.

وبرغم توقيع الكثير من مذكّرات التفاهم بين الشرع وشركات عربية وخليجية وغربية، إلّا أنّ ذلك لم يسمح بعد للأموال العربية بالتدفّق، ولا سيّما القطرية والسعودية. فالدوحة والرياض، اللتان تستعدّان لأيام قحطٍ مع التوقّعات المستقبلية بتراجع أسعار الوقود الأحفوري إلى مستويات متدنّية في السنوات المقبلة، غير مستعدّتين لضخّ المليارات، خصوصاً مع غياب اليقين حول مآلات «قانون قيصر» والعقوبات الأميركية على سوريا. وبحسب المعلومات، فإنّ مجموع ما تحصل عليه الإدارة الانتقالية من قطر والسعودية، لا يتجاوز 30 مليون دولار شهرياً لتأمين رواتب موظّفي القطاع العام السوري، الذي يحتاج إلى أضعاف ذلك مع كل الصرف التعسّفي الذي طاول القطاع، وفشل الشرع في رفع الرواتب بنسبة 400%.

وفي الأشهر الماضية، بات دعم الرواتب المقدّم من قطر والسعودية، يمرّ عبر آلية تشرف عليها الأمم المتحدة، بهدف ضمان وصول الأموال إلى أماكن الدعم المطلوبة، وخصوصاً في قطاعَي التربية والصحة وبعض الوظائف الحيوية، ولضمان عدم وصولها إلى جهات لا تزال تُصنّف إرهابية لدى أجهزة الاستخبارات الدولية. حتى أنّ رواتب شهر تشرين الثاني تأخّرت بسبب عمليات التدقيق التي يجريها موظفون دوليون للتأكّد من وجهة الأموال.

ويتسبّب اللااستقرار الأمني، ولا سيّما استمرار الفوضى الأمنية وعمليات الانتقام الطائفي والتوغّلات الإسرائيلية، بعرقلة مشاريع الاستثمار الخاصة التي دفعت في اتجاهها الرياض، خصوصاً أنّ هذه المشاريع تقع في غالبيتها في خانة التجاري والترفيهي والسكني، ما يتطلّب استقراراً أمنياً، بينما تحتاج البلاد إلى ورشة إنقاذ متكاملة العناصر لخلق بنية تحتية قادرة على مواجهة الجفاف وإعادة الإعمار.

وتضاف إلى ذلك، السياسات الاقتصادية القاسية والعشوائية التي تتّبعها السلطات الانتقالية إرضاءً لنموذج لا ينطبق على حال سوريا وواقعها، ولا سيّما عبر رفع الدعم عن الخبز ورفع أسعار الكهرباء 70 ضعفاً (راجع: رفع تسعيرة الكهرباء نحو 70 ضعفاً: الشرع ينقلب على وعوده للسوريين)، ورفع أسعار الاتصالات أضعافاً. وفي الوقت نفسه، أظهرت الوقائع محدودية تأثير استيراد الغاز الأذربيجاني وتوقيع مذكّرات تفاهم بقيمة 7 مليارات دولار بذريعة بناء بنية تحتية لإنتاج 5 آلاف ميغاواط، تحتاج إلى أقلّ من ذلك بكثير، من دون وضوح من الشرع أو من السلطات الانتقالية حول مصدر التمويل وجدّية مثل هذه الطموحات غير الواقعية.

كلّ هذه الأزمات المعقّدة تهملها السلطات الانتقالية، لتشغل بال السوريين كل مدّة بصرعة جديدة ترتبط إمّا بالنظام السابق و«الفلول»، أو بتوتير خطوط التّماس في السويداء أو بمواجهة «قوات سوريا الديمقراطية». ولعلّ انشغال السلطات الانتقالية بمشاريع «الهوّية البصَرية»، وآخرها الحديث عن هوّية بصَرية لكل محافظة، يختصر العقلية التي تدير البلاد اليوم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، في ظلّ تفكّك النسيج الاجتماعي وتراجع عناصر صمود السوريين الاقتصادي إلى أدنى مستوياتها.

عن وكالة ميادين المقاومة

شاهد أيضاً

«الوحدة النسائية» في حزب اللّٰه تنطلق رسمياً: نحو تنظيم الدور وتوحيد الجهود

بعد سنوات طويلة من العمل النسائي في مؤسسات حزب الله وهيئاته، أُعلن اليوم عن انطلاق …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *