باكستان في ظلّ «الرجل الواحد»: الجيش يَحكم… بالدستور
وكالة ميادين المقاومة
ساعة واحدة مضت
أخبار هامّة, الرئيسية, النشرة الدولية, مقالات مختارة, منوّعات
منذ تشكُّل حدود باكستان، ظلّ جيشها، عرفاً، طرفاً رئيساً في صنع القرار، إلى أن تقرَّر إدراج هذا الدور في الدستور، مع ما يعنيه من تحوّل إلى حكم الرجل الواحد.

أعـلاه | رئيس باكستان، آصف علي زرداري، ورئيس الوزراء، شهباز شريف، يكرّمان قائد الجيش، الجنرال سيد عاصم منير، في إسلام آباد
قبل أقلّ من شهر، صوّت البرلمان الباكستاني بأغلبية شبه مطلقة، لصالح إقرار تعديلات دستورية واسعة، من شأنها أن ترسّخ سلطة قائد الجيش، سيد عاصم منير، كـ”أقوى رجل” في المعادلة السياسية والعسكرية في البلاد. والتعديلات المُدرجة في قانون حمل اسم “التعديل الدستوري الـ27″، أقرّتها الغرفة العليا من البرلمان بأغلبية 64 صوتاً، من دون اعتراض، والغرفة الدنيا بأغلبية 243 نائباً، مقابل اعتراض 4 مشرّعين. وممّا نصّ عليه التعديل الدستوري، تقييد صلاحية “المحكمة العليا” لصالح “محكمة دستورية اتحادية” مُستحدثة، ومنح حصانة قانونية لمدى الحياة لكلّ من الرئيس آصف علي زرداري، وقائد الجيش (أسوة بغيره من جنرالات الخمس نجوم)، فضلاً عن منْح الأخير صلاحيات إضافية في التعيينات وعمل الحكومة، وتولّيه منصباً عسكرياً مُستحدثاً هو “قائد قوات الدفاع”. وبهذا، ستشمل صلاحياته الرسمية الممتدّة على خمس سنوات مقبلة، جميع فروع الجيش، بما في ذلك سلاحا الجو والبحرية، خلافاً لأسلافه ممَّن امتلكوا نفوذاً مماثلاً، وإنْ بشكل غير رسمي.
وتترافق التشريعات الباكستانية، وما تبعها من استقالات لإثنين من قضاة المحكمة العليا، تنديداً بما سمّياه “انقلاباً على الدستور”، مع ظرف داخلي، تتغذّى أبرز ظواهره من حالة الاضطراب الأمني، واحتفاظ أحزاب الائتلاف الحكومي المكوّن أساساً من “حزب الشعب” (54 مقعداً) و”حزب الرابطة الإسلامية” (جناح نواز شريف) بالأغلبية في البرلمان. كما تأتي في ظلّ ظروف خارجية مؤاتية لحكومة شهباز شريف – المتحالفة مع الجيش -، تتمظهر في المواجهات السياسية والعسكرية المتقطّعة مع حكومة “طالبان” الأفغانية، وأيضاً في عودة الحرارة إلى علاقات إسلام آباد مع “أميركا ترامب”.
مؤيّدون ومعارضون
يميل مؤيّدو التعديلات، بمن فيهم “حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية” (جناح نواز شريف) الحاكم، إلى تبريرها بذريعة كون البلاد في “حالة حرب”، على نحو ما ذهب إليه رئيس “حزب الشعب الباكستاني” بيلاوال بوتو زرداري، من جهة، وضرورة السعي نحو تسريع البتّ في القضايا مِن قِبل المحاكم الباكستانية، وتعزيز “أسس العدالة”، وفق ما شدّد عليه وزير الدولة للشؤون القانونية عقيل مالك، من جهة ثانية.
وفي محاولته تفسير الجانب الاستراتيجي والعسكري للتعديل الدستوري الجديد، يرى المدير التنفيذي لمعهد “سانوبر”، كامار شيما، أن “(مفاهيم) الحرب تتغيّر، ما يملي حاجة الجيش الباكستاني إلى هيكلية قوية على مستوى صنع القرار”، معتبراً أن “استحداث منصب قائد قوات الدفاع، الذي سيشغله منير على مدى السنوات الخمس المقبلة، من شأنه أن يوفّر كفاءة عملياتية”. ومن منظور مدير المعهد المتخصّص في الدراسات الاستراتيجية، ومقرّه إسلام آباد، فإن الجيش الباكستاني يُعدّ المؤسسة الوحيدة القادرة على الحفاظ على استقرار البلاد المُثقلة بالديون، والأزمات الأمنية.
أمّا المنتقدون، وفي مقدّمتهم “حركة إنصاف”، أكبر أحزاب المعارضة، بزعامة رئيس الوزراء السابق عمران خان، فهم يضعون “التعديل الدستوري الـ27″، ضمن خانة تكريس سلطة الأمر الواقع التي تمتّع بها العسكر على مدى عقود، بالدستور، وذلك على وقع تضييق متنامٍ على الحريات الإعلامية والعمل السياسي، وفي ظل اتهامات متواصلة للحكومة الحالية بالتآمر مع المؤسسة العسكرية لتزوير الانتخابات التشريعية خلال العام الماضي.
وبحسب محلّلين باكستانيين، فإنّ النظام السياسي في باكستان – منذ تشكّل حدود الدولة النووية عام 1947 -، والذي غالباً ما يوصف بـ”الزواج غير المتكافئ بين السياسيين والعسكر”، أو بـ”النظام الهجين” الموزّعة سلطاته بين حكومة مدنية ذات صلاحيات اسمية، ومؤسسة عسكرية تملك القرار الفعلي على الصعيدين السياسي والاقتصادي، سيشهد ترجيح كفة ميزان السلطة لصالح الجيش على نحو أكبر في الفترة المقبلة، لتأخذ هذه المرّة بعداً قضائياً أكثر وضوحاً.
مفاعيل عسكرية وسياسية… وقضائية!
من هذا المنطلق، يعيب محلّلون على التعديلات ما تتركه من مفاعيل سلبية على استقلالية الجسم القضائي، لكونها تجعله رهينة للأهواء السياسية بشكل أكبر، خصوصاً أنّها نصّت على إنشاء “محكمة دستورية فدرالية” جديدة، يتمّ تعيين قضاتها مِن قِبل الحكومة، لتأخذ صلاحيات “المحكمة العليا” الرقابية على قادة الجيش والمسؤولين الحكوميين، وتحديداً لناحية جميع القضايا المتعلّقة بتفسير الدستور وإنفاذه، مع حصر دور “العليا” في النظر في القضايا المدنية والجنائية. ويوضح صلاح الدين أحمد، وهو محامٍ مقيم في كراتشي، أن مصدر خشيته من “التعديل الدستوري الـ27″، هو احتمالية “مصادقة قضاة المحكمة الدستورية العتيدة، ممَّن سيخضع تعيينهم لمعايير المحسوبية (السياسية)، على أيّ حكم ترغب الحكومة في إصداره”، في إشارة إلى تلاشي فرص محاسبتها، وحلفائها في المؤسسة العسكرية. وفي الاتجاه نفسه، يرى المحامي الباكستاني، أسامة مالك، أن التعديل لن يسهم في “إلغاء السلطة المدنية على العمل العسكري” فحسب، بل أيضاً في “تدمير التراتبية العسكرية، بعدما كان جميع رؤساء الأركان يُعتبرون متساوين”.
من جهتها، قارنت الباحثة المتخصّصة في شؤون الجيش الباكستاني، عائشة صدّيقة، بين تمكّن قيادة الجيش الحالية بشخص سيد عاصم منير من الإمساك بزمام القيادة العليا، ونجاح مماثل حقّقه قائد الجيش الأسبق، برويز مشرّف، بعد وصوله إلى السلطة بانقلاب عسكري عام 1999، واستمرّ في الحكم حتى عام 2008، مبيّنة أنّ الفارق بين تجربتَي الرجلَين هو أنّ الثاني، على رغم فرضه الأحكام العرفية، لم يُفلِح في تمرير تشريعات تتيح له الاحتفاظ بهيمنته العسكرية والسياسية إلى أجل غير مسمّى، خلافاً لمنير “الأكثر دهاءً”. وفي الإطار نفسه، حذّر المحلّل المتخصّص في الشؤون العسكرية لباكستان ودول جنوب آسيا، شجاع نواز، من أن تعيين منير في منصب “قائد قوات الدفاع”، سيمنحه سلطة عليا ليس على القوات البرية فحسب، بل على القوات البحرية والجوية أيضاً، كما أن من شأنه أنّ “يوسّع الفجوة بين القيادة العليا للجيش والرتب الدنيا”. وعن دوافع توافق أركان السلطة السياسية مع العسكر، اعتبر نواز أن هؤلاء أرادوا “تجديد الضمانة” حول مستقبلهم، ومصير تحالفهم مع منير، عقب نجاح الأخير في مساعدتهم في إبعاد عمران خان عن المشهد السياسي، وسجنه. ومن منظور نواز، ترغب النخبة السياسية في إسلام آباد في “الحصول على دعم قائد الجيش في الانتخابات المقبلة” عام 2029، بعدما بات لدى منير “على غرار حكم مشرّف بدءاً من عام 1999، رئيس وزراء تابع، وسلطة إعادة تشكيل هيكلية الجيش”.
مرتبط