كل شيء «معروض للبيع»: الفقر يغيّر وجه الساحل
وكالة ميادين المقاومة
ساعة واحدة مضت
أخبار هامّة, الرئيسية, النشرة الدولية, مقالات مختارة, منوّعات
يبرز تفاقم الفقر في ساحل سوريا انهيارَ المعيشة وانتشارَ بيع الممتلكات وسط غياب الدعم وفرص العمل، مع إبراز معاناة العسكريين المتقاعدين والمزارعين.

دفع تفاقم الضيق المعيشي، كثيرين، إلى بيع مقتنياتهم الشخصية!
بانكسارٍ ظاهر، يقف وليد، الأربعينيّ، على طرف الطريق في إحدى قرى ريف طرطوس، عارضاً مكواة وطاولة خشبية للبيع. يفعل ذلك على أمل جمع جزء بسيط من تكاليف المعيشة المتصاعدة، بعدما وجد نفسه بلا عمل ومسكن، الأمر الذي دفعه إلى العمل الحرّ في الأراضي الزراعية ضمن منطقته. يختصر وليد، وهو أحد عناصر الجيش السابق، معاناة كثير من زملائه. ويقول، لـ«الأخبار»: «منذ أشهر طويلة لم أتمكّن من إيجاد عمل ثابت يعيل أُسرتي. العمل شبه معدوم في قرى الساحل، ونعيش حالياً على المساعدات، أو على ما نجنيه من العمل الزراعي ضمن المنطقة التي لا نجرؤ على مغادرتها خشية الاعتقال». ويضيف: «أبيع بين مدّة وأخرى بعض مقتنيات منزلي لتأمين احتياجات أطفالي الأساسية».
حال وليد، يشبه واقع آلاف العائلات في الساحل، حيث ترتفع معدّلات الفقر إلى مستويات غير مسبوقة، فيما تستمرّ الإدارة الجديدة في حجب رواتب عدد كبير من العسكريين المتقاعدين، وبخاصة أولئك الذين خضعوا لتسوية أوضاع ولا يملكون بطاقات شخصية تتيح لهم حرّية الحركة بحثاً عن فرصة عمل. من بين هؤلاء أيضاً، هزار، الموظفة السابقة في أحد المستشفيات العسكرية التي أُغلقت بعد سقوط النظام السابق، وتمّ الاستغناء عن موظفيها. كانت هزار، تشارك زوجها في تأمين احتياجات المنزل، لكنّ أوضاعهما ازدادت سوءاً بعد عام من التغييرات السياسية وما رافقها من إجراءات تعسّفية طاولت أبناء الساحل. تقول هزار: «الديون تتراكم فوق رؤوسنا، ولم نُوفّق أنا وزوجي في عمل مناسب. اضطررنا لبيع جزء من العقار الذي نقطنه. عائلتي عاجزة عن مساعدتنا، فأشقائي الثلاثة كانوا في الجيش، ووالدي عسكري متقاعد. أهل الخير لا يقصّرون، خصوصاً في تأمين ثمن الخبز، لكن ما نحتاجه فعلاً هو فرصة عمل تضمن الحدّ الأدنى من احتياجات عائلتي».
“مع ضيق فرص العمل أمام أبناء الساحل، اضطرّ بعضهم للفرار إلى لبنان تهريباً”
ومع ضيق فرص العمل أمام أبناء الساحل، اضطرّ بعضهم إلى الفرار إلى لبنان تهريباً، بحثاً عن لقمة العيش وتفادياً للتهديدات الأمنية. أمّا مَن بقي، فبات محاصَراً في منطقته، ينتظر الفرج. يتحدّث أبو نسيم، السبعينيّ، وهو أب لأربعة أبناء وخمس بنات، عن معاناة مضاعفة. يقول: «كنتُ أمتلك مدجنةً لتربية الصوص وإنتاج البيض، وكان الوضع مقبولاً. لكن بعد سقوط النظام، تحوّلت حياتنا إلى كابوس. أولادي كانوا جميعاً في الجيش السابق، وعادوا للإقامة معي في منزل العائلة مع أطفالهم. ومع الفوضى الاقتصادية وانتشار البيض والفروج التركي، تكبّدت خسائر كبيرة وتراكمت الديون. أوقفت العمل وبعت الشاحنة، وافتتحتُ مع أبنائي محلّاً لبيع الفروج والبيض المستورد». ويضيف: «أتحاشى العودة إلى المنزل مبكراً. منظر أحفادي الصغار، الذين يجهلون مستقبلهم، يوجع قلبي»
هكذا، دفَع تفاقُم الضيق المعيشي، كثيرين إلى بيع مقتنياتهم الشخصية من مفروشات وأدوات كهربائية مستعملة وهواتف، بل وحتى مقتنيات قديمة كالسُّبَح والقدّاحات والكتب والنظارات. يقول ماهر، وهو صاحب مكتب عقاري، إنّ هناك مئات العروض لبيع أراضٍ زراعية ومنازل بأسعار تقلّ عن قيمتها الفعلية، موضحاً أنّ «البعض يبيع استعداداً للسفر بعدما فقد الأمل بتحسُّن الأوضاع، بينما يضطرّ آخرون للبيع لتأمين احتياجات المعيشة وسداد الديون المتراكمة منذ سقوط النظام السابق». ويؤكّد وسيم، بائع الخردوات، بدوره أنّ عمله توسّع بشكل واضح؛ فـ«الناس يمرّون بضائقة كبيرة ويبيعون كل ما يمكن أن يعود عليهم بمبلغ ولو بسيط». ويضيف: «أحياناً أشتري أغراضاً لا أحتاجها، فقط لمواساة أصحابها».
ولأنّ اقتصاد الساحل يعتمد بدرجة كبيرة على الزراعة، فقد جاء غضب الطبيعة هذا العام ليزيد الطين بلّة؛ إذ تراجعت كميات الأمطار، وتسبّب الصقيع في تلف أجزاء واسعة من المحاصيل، وانخفض إنتاج بعض المزروعات وعلى رأسها الزيتون. ويضاف إلى ذلك، غياب الدعم في الأسمدة والبذار وارتفاع تكاليف التسويق وتراجع القدرة الشرائية في المنطقة. بحسب أحد أعضاء «لجنة السلم الأهلي» في طرطوس، فإنّ اللجنة حاولت المساعدة في خلق فرص عمل؛ «فمع فقدان الآلاف مصادر دخلهم وغياب فرص العمل، تواصلنا مع الجهات الحكومية المعنيّة لطلب دعم المزارعين ومربّي المواشي وتعزيز فكرة التعاونيات الزراعية التي تخفّف العبء عن الحكومة وتسهم في تحسين الإنتاج». لكن رغم الوعود الكثيرة، فإنه «لا شيء تحقَّق على الأرض»، بحسب عضو اللجنة الذي يضيف، في حديثه إلى «الأخبار»: «اضطرّ الناس لبيع قطع من أراضيهم، وقطعوا الأشجار المثمرة لاستخدامها حطباً للتدفئة، وذلك في محاولة لمواجهة العَوز ريثما تتغيّر الحال».
مرتبط