«لا أمان لهيكل» الإهراءات: ماذا ستفـعل الحكومة الآن؟
وكالة ميادين المقاومة
52 دقيقة مضت
أخبار هامّة, الرئيسية, النشرة اللبنانية, مقالات مختارة, منوّعات
أظهر تقرير لـ«المجلس الوطني للبحوث العلمية»، أن «لا أمان لهيكل» إهراءات مرفأ بيروت، وسط عدم يقين من جدوى ترميمها والكلفة المرتفعة لذلك من جهة، ورأي يعارض هدمها من جهة أخرى.

كلما خبت سيرة الصوامع الست المتبقية في الجهة الجنوبية من إهراءات مرفأ بيروت، تعود سريعاً إلى الواجهة عبر الدخان الذي يتصاعد كلّ فترةٍ منها، والذي يُذكٍّر بانهيار صوامع الجهة الشمالية في العام 2022.
تجدّد تصاعد الدخان أخيراً وضع القضية بنداً أساسياً على جدول أعمال مجلس الوزراء، في جلسته التي انعقدت في 27 تشرين الثاني الفائت. يومها، استعرضت وزيرة البيئة تمارا الزين تقريراً حول نتائج «المسح الطوبوغرافي والبيئي في حرم إهراءات مرفأ بيروت، والمتعلق بانبعاث وهج حراري وتصاعد الدخان المستمر نتيجة تخمر الحبوب داخل الصوامع»، أعدته لجنة مكلفة من «المجلس الوطني للبحوث العلمية».
التقرير الجديد، المؤلف من 43 صفحة، أعاد سرد الأحداث منذ انفجار المرفأ في العام 2020، ليخلص إلى أن «لا أمان للهيكل»، ما شكّل إنذاراً جديداً يُضاف إلى سلسلة التحذيرات السابقة من الحالة الهشّة للصوامع الست المتبقية. وتعكس هذه الخلاصة الحالة المتدهورة للصوامع التي أحدث الانفجار شقوقاً عمودية فيها، ما أضعف نقاط الاتصال بينها، إضافة إلى ما تراكم من أضرار على مدى السنوات التالية نتيجة احتراق بقايا الحبوب المتعفنة والعوامل المناخية.
وأظهرت المعاينات الميدانية والفحوصات المخبرية وجود علامات تدهور «قد تكون بدأت في بعض المساحات»، ولا سيما في ظل تشققات الأسطح وانكشاف الحديد، مما يزيد احتمالات التآكل التدريجي بفعل الرياح المحمّلة بالمياه المالحة. وقد أكد «اختبار الكربنة» الذي أجرته اللجنة «فقدان القلوية في الخرسانة، ما يعزز خطر تآكل التسليح الفولاذي، خصوصاً مع قرب الموقع من مياه البحر».
ويشير التقرير إلى أن تقييم الوضع الإنشائي ركز على المبنى «من فوق»، ولم يشمل الأساسات والركائز، وهي «الجزء الأهم»، بحسب المدير العام لـ«مجلس البحوث» شادي عبد الله، باعتباره حاسماً في تحديد الواقع بدقة وبناء خطة على أساسه. ويضيف عبد الله أن هذه الخطوة لم تُنجز بعد، ومن المتوقع أن تكون المرحلة التالية للجنة الوزارية التي كلّفها مجلس الوزراء، بإعداد اقتراحات لاتخاذ قرار بشأن مصير الإهراءات.
“عينات الهواء والقمح المتعفن غير خطرة حالياً، لكن الوضع قد يصبح كارثياً في حال سقوط الإهراءات”
ولا يتوقع عبد الله أن تتم هذه الخطوة بسلاسة، خصوصاً أنها مكلفة. فهي تحتاج إلى معدّات غير متوافرة لفحص الأساسات، ومنها الأجهزة الجيوفزيائية. والمفترض الآن، وفقاً لعبد الله، أن تستمتع اللجنة المكلفة إلى آراء المختصين في «مجلس البحوث»، قبل اتخاذ قرارها. ومن المتوقع أيضاً أن يطول هذا المسار، سواء بالنسبة إلى دقّة الكشف والوقت الذي تحتاجه هكذا عملية، أو بالنسبة إلى توافر «العملة»، خصوصاً أن التقرير المزمع العمل عليه مُكلِف، على عكس التقرير السابق «الذي لم يُكلِّف الدولة فلساً واحداً».
وبموازاة الفحوص والتحاليل للبنية الإنشائية، أُجرِيت فحوص موازية لجودة الهواء وعينات القمح المتعفنة المخزنة في الصوامع. وفي هذا السياق، جرى تحليل ثلاث عينات من الهواء جمعتها «الهيئة اللبنانية للطاقة الذرية»، وعينة قمح من الرواسب المتبقية في إحدى الصوامع المجاورة لموقع أخذ عينات الهواء. وعلى عكس حال البنية الإنشائية، لم تُثِر نتائج العينات قلقاً لدى المختصين، إذ لا تزال مستويات الجسيمات الدقيقة في الهواء (Particulate Matter) متوافقة مع الحد اليومي للبيئة الحضرية في لبنان.
كما إن التحليل من الناحية الجرثومية، لم يُشِر إلى وجود خطر صحي على السكان القاطنين على بعد كيلومتر واحد أو أكثر من محيط الإهراءات. أما تحليل عينات القمح المتبقي من الناحية الجرثومية، فكان من الطبيعي، وفقاً للتقرير، أن يُظهِر وجود كائنات فطرية وبكتيرية (تلوث ميكروبي)، يُرجح «أن تكون مسؤولة عن انبعاث الروائح الكريهة في محيط المرفأ».
لكن النتائج غير الخطرة لعينات الهواء والقمح حالياً، لا يعني أنها لن تتغير مستقبلاً. فأي تغير مناخي أو هيكلي في الإهراءات قد يزيد من احتمالية تطاير الفطريات في الهواء، ما قد يؤدي إلى نتائج «كارثية»، تحديداً في حال سقوط الإهراءات، وانفلاش المواد الميكروبية والبكتيرية في سماء بيروت.
كباش بين طرفين
بعد عرض المسح الطوبوغرافي والبيئي لوزارة البيئة، اتّخذ مجلس الوزراء قراراً بتشكيل لجنة وزارية لتقرير مصير الإهراءات، في إجراء معتاد في التعامل الرسمي مع القضايا الإشكالية، لدفش الأزمة أشهراً إضافية. وهو الوضع الراهن في حالة الإهراءات، إذ يوجد في الوقت نفسه توصية صادرة عن مجلس الوزراء السابق تقضي بهدمها (لم تُلغَ بعد)، وقرار «تاريخي» اتّخذه وزير الثقافة في الحكومة الحالية، غسان سلامة، يقضي بوضعها على لائحة الجرد للأبنية التراثية بما يمنع هدمها. مع العلم أن القرارين اتخذا في ظل عدم كفاية التقارير القادرة على حسم الجدل.
ففحص الركائز والأساسات لم يعمل عليه أي طرف حتى اللحظة، وسط كباش بين موقف واضح لأهالي الضحايا (مراجعات أمام القضاء)، الذين يطالبون بالحفاظ على الإهراءات كرمز وتذكار. وهو ما يُثيرُ إشكالية أنها تقع في حرم مرفأ بيروت، الذي يُمنع الدخول إليه من دون إذن من إدارته. أما الطرف الثاني من الكباش، فهم من يريدون هدمه، بسبب عدم اليقين من جدوى ترميمه، عدا عن الكلفة المترتبة عن ذلك. إذ يشير التقييم العام لدراسة «مجلس البحوث» إلى كلفة مرتفعة جداً لأي عملية ترميم مقارنة بالفائدة المرجوة من جهة، وفي غياب ضمانة حقيقية لسلامة المنشأة على المدى الطويل من جهة أخرى.
وفي ظل غياب الإرادة السياسية، يمكن القول إن التقرير وضع خارطة طريق يمكن أن تساعد في فكفكة هذه القضية، على قاعدة «ضربة عالحافر وضربة عالمسمار». إذ أوصى من جهة بالبدء في عملية تفكيك تدريجي للكتل غير المستقرّة من الصوامع، وتثبيت الأجزاء التي قد تمثل قيمة رمزية أو معمارية يمكن دمجها في المشروع المستقبلي للنصب التذكاري.
مرتبط