مناورات «سهند 2025»: إيران تعمّق انخراطها الأمني شرقاً

استضافت إيران مناورة “سهند 2025” لمكافحة الإرهاب، التي شاركت فيها جميع دول “منظمة شنغهاي للتعاون”، ما يُظهر قابلية الأخيرة للتحول إلى معسكر أمني.

تجري مناورات «سهند 2025» في إطار مهمّة مكافحة «الشرور الثلاثة».

تشكّل مناورة «سهند 2025» المشتركة لمكافحة الإرهاب، والتي تقام شمال غربي إيران، برعاية القوات البرّية لـ«الحرس الثوري»، منعطفاً في التعاون الأمني بين أعضاء «منظّمة شنغهاي للتعاون». وتُعدّ هذه المناورة، التي بدأت الإثنين الماضي وتنتهي اليوم الجمعة، الأولى من نوعها لدول المنظّمة، التي تقام على الأراضي الإيرانية؛ كما أنّ تركيبة الدول المشارِكة فيها وطبيعة العمليات التي تتخلّلها، إلى جانب هوّيات السلطات الأمنية والقيادات العسكرية الحاضرة لفاعليّاتها، والرسائل الجيوسياسية المراد إيصالها عبرها، كلّها مظاهر تحمل دلالات في ما خصّ التعاون الأمني بين أعضاء المنظّمة.

وتجري «سهند 2025» في إطار مهمّة مكافحة «الشرور الثلاثة» لدى «منظمة شنغهاي للتعاون» – أي مكافحة الإرهاب والتطرُّف والنزعة الانفصالية -، وتحت إشراف «الهيكلية الإقليمية المناهضة للإرهاب» (RATS)؛ وهي تركّز على السيناريوات العملانية لمواجهة المجموعات الصغيرة المتفرّقة والمتحرّكة بقوّة والمقصود بها تلك التي نفّذت أنشطة واسعة، في السنوات الأخيرة، على حدود منطقة شمال غربي إيران، وبعض المناطق الحدودية لجمهورية آذربيجان وإقليم كردستان العراق.

ويُظهر تصميم سيناريوات المناورة، أنّ الهدف منها ليس التصدّي لتهديد كلاسيكي، بل آخر غير متناظر، وذلك عبر استخدام المسيّرات الصغيرة والهجمات الهجينة ونصب الكمائن الحضرية والاستفادة من الأراضي الوعرة. وفي هذا الإطار، وفّرت مشاركة فرق خاصة من الدول الأعضاء في المنظّمة، إمكانية تبادل الخبرات المختلفة في مجال التصدّي للمجموعات المتطرّفة – بدءاً من القوقاز وصولاً إلى آسيا الوسطى وباكستان – في ميدان مشترك.

ومن ناحية مشاركة الدول، تُعدّ «سهند 2025» واحدة من أضخم المناورات المتعدّدة الجنسيات التي تجري على الأراضي الإيرانية، في أثناء السنوات الأخيرة؛ إذ يشارك فيها إلى إيران، كلّ أعضاء «شنغهاي للتعاون»، وهم: روسيا، الصين، الهند، باكستان، كازاخستان، قرغيزيا، طاجيكستان، أوزبكستان وبيلاروسيا. وإلى هؤلاء، شاركت أيضاً كل من السعودية، آذربيجان، سلطنة عمان والعراق بصفة مراقب أو ممثّل أمني. وتكتسب مشاركة أعضاء «شنغهاي للتعاون» في ساحة عملياتية داخل الجمهورية الإسلامية، أهميّة بالغة من الناحيتَين السياسية والأمنية؛ فللمرّة الأولى، تستضيف إيران، في إطار المنظّمة، وحدات مكافحة الإرهاب لدول آسيوية، وتشارك معها بشكل مباشر في المعطيات ومحاكاة العمليات الحضرية وتبادل الخبرات في مجالات التوغّل والنفوذ ومكافحة أعمال الشغب، إلى جانب تنفيذ تمارين عملياتية.

“يُظهر تصميم السيناريوات، أنّ الهدف ليس التصدّي لتهديد كلاسيكي، بل آخر غير متناظر”

كما أنّ مكان تنفيذ المناورة في مدينة شبستر في محافظة آذربايجان الشرقية شمال غربي إيران، يحمل في ذاته دلالة خاصة؛ ذلك أنّ اختيار منطقة قرب حدود كل من آذربيجان وتركيا والعراق، يبعث برسالة بخصوص التهديدات العملانية، وأيضاً إلى اللاعبين الإقليميين: باكو وأربيل وحتى أنقرة. أمّا من الناحية الزمنية، فنُفّذت المناورة على مدى خمسة أيام، وعلى عدّة مراحل. ففي اليوم الأول، أي المرحلة التمهيدية، اشتملت على انتشار القوات وجلسات التنسيق وزيارات تفقّدية قامت بها القيادات العسكرية. أمّا في اليوم الثاني، فبدأ الانخراط الرسمي للوفود العسكرية والقيادية التابعة للدول الأعضاء والمراقبين، فيما نُفّذت «المرحلة الساخنة» في اليومَين الثالث والرابع، وذلك باستخدام الذخيرة الحيّة وتجريب عمليات التوغّل والنفوذ وتحرير الرهائن، وحرب المدن وتطهير المرتفعات وعمليات المُسيّرات، ومواجهة القوات المندسّة وتمرين العمليات الهجينة. ويُخصص اليوم الخامس، أي اليوم، للاستنتاج والتقييم وللاجتماعات المشتركة للقيادات العسكرية للدول المشاركة. ولعلّ هذا الجدول الزمني، لا يُظهر الهيكلية المعيارية للمناورات المعاصرة للمنظمة فحسب، بل أيضاً أنّ إيران استطاعت توفير البنية التحتية اللازمة لإجراء تدريبات حقيقية متعدّدة الجنسيات، وليس مجرّد استعراض قوّة.

وفي الأبعاد العملياتية، اختلفت «سهند 2025»، اختلافاً فارقاً عن المناورات المماثلة التي جرت في السنوات الماضية، إذ جاء استخدام المسيّرات الصغيرة الهجومية فيها، كأحد أبرز خصائصها. ومع تحوّل هذه المسيّرات، في أثناء السنوات الماضية، إلى أداة حاسمة ومصيرية في المعارك غير المتماثلة وغير المتكافئة، أَظهر «الحرس الثوري» قدراته الجديدة في هذا المجال على نطاق واسع. وفضلاً عن ذلك، نفّذت وحدات خاصة من عدّة بلدان في آسيا الوسطى والصين، تمارين مشتركة ضمن عمليات التوغّل الليلي ومواجهة القنّاصين وعمليات تحرير الرهائن وتمشيط البيئات المغلقة.

ومن ناحية القيادة والاتصال، تستضيف المناورة أكثر من 60 من كبار القادة العسكريين، و40 قائداً ميدانيّاً من مختلف البلدان، فيما تشكّلت مجموعات عمل استخبارية مشتركة، هدفها دراسة كيفية التصدّي للمجموعات المتطرّفة التي تنشط في منطقة القوقاز وآسيا الوسطى وأفغانستان. ونقلت إيران، من جهتها، جانباً من خبراتها في مجال مواجهة المجموعات التكفيرية على مدى السنوات الماضية إلى الدول الأعضاء في المنظّمة. وفي هذا الجانب، اعتبر المساعد السياسي لـ«الحرس الثوري»، العميد يد الله جواني، أنّ المناورة تشير إلى «تحوُّل إيران الجيوسياسي من الغرب إلى الشرق»، في ما يعكس التركيز المتزايد لطهران على بناء شبكات أمنية جديدة محورها روسيا والصين وآسيا الوسطى.

أمّا على الصعيد الجيوسياسي، فانطوت «سهند 2025» على رسائل مهمّة عدة: الأولى، أنّ إيران أظهرت أنّ في مقدورها استضافة مناورات متعدّدة الجنسيات تشارك فيها قوى من مِثل روسيا والصين والهند، من دون أن تربكها العقوبات أو الضغوط السياسية الغربية. والثانية، أنّ «منظمة شنغهاي للتعاون»، آخذة في التحوُّل إلى معسكر أمني ذي أنشطة عملانية حقيقية، يمكنه مع الوقت، أن يحلّ محلّ جزء من الهيكلية الأمنية الغربية. والثالثة، أنّ اختيار مكان المناورة، مع مشاركة مراقبين من دول مثل السعودية وآذربيجان، مؤشّر إلى جهود إيران الرامية إلى تطوير الشبكة الأمنية التي تعمل بما يتجاوز حدودها الكلاسيكية. والرابعة، أنّ إيران، ومع عرضها تكنولوجيا المسيّرات والقدرات العملياتية المشتركة، تكون قد بعثت برسالة ردع مباشرة إلى المجموعات المعارضة واللاعبين المنافسين في المنطقة. كذلك، أظهرت المناورة أنّ طهران، تخطّت مرحلة التعاون الأمني الرمزي، وباتت قادرة على بناء أرضية حقيقية للتنسيق العملياتي بين أعضاء «شنغهاي للتعاون». ونظراً إلى مسار التطوّرات الأمنية، في السنوات الأخيرة، يمكن توقُّع أن تتحوّل «سهند» إلى نقطة انطلاق لسلسلة من التعاون العملياتي بين أعضاء المنظمة، سواء على الأراضي الإيرانية أو في بقية بلدان المنطقة.

عن وكالة ميادين المقاومة

شاهد أيضاً

«لوبيات» لبنانية من ورق تبحث عن زبائن في واشنطن

التحوّلات الكبيرة في المنطقة وفّرت لبعض اللبنانيين فرصة للتجارة في ما يُعرف بـ«اللوبيات»، والاستثمار في …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *