«الإخوان» خارج حضرموت والمهرة | السعودية – الإمارات: تقاسم جديد للنفوذ

تفرض تحوّلات حضرموت والمهرة واقعاً جديداً في الجنوب اليمني، مع تقدّم “الانتقالي” وتراجع “الإصلاح”، بما يعكس إعادة رسم نفوذ السعودية والإمارات عبر أدوات بديلة.

تتسارع الأحداث ميدانياً في محافظتَي حضرموت والمهرة شرقي اليمن، حيث تمكّن «المجلس الانتقالي الجنوبي» المدعوم من الإمارات من السيطرة على آخر المعاقل العسكرية في المحافظتين، والمحسوبة على حزب «الإصلاح» الذي يمثّل «الإخوان المسلمين» في اليمن. على أن هذه الأحداث لم تكن مفاجئة تماماً، خصوصاً أن «الانتقالي»، ومنذ اتفاق الهدنة مع صنعاء في نيسان 2022، وضع مسألة «تحرير» وادي حضرموت من قوات «المنطقة العسكرية الأولى»، هدفاً حتمياً تكرّر في معظم الخطابات الرسمية لرئيس المجلس، عيدروس الزبيدي. والظاهر اليوم أن السعودية رضخت لشروط الإمارات المتمثّلة بالتخلّي عن حزب «الإصلاح»، وإنهاء وجوده العسكري والأمني في المحافظات الجنوبية، وذلك مقابل السماح للأولى بتمكين السلفيين من الحلول محلّ «الإخوان».

وكانت السنوات الماضية شهدت معارك ضارية بين «الانتقالي» من جهة، وقوات «الشرعية» المدعومة من السعودية من جهة أخرى. ورغم أن الإمارات حسمت الأمور عسكرياً في آب 2022، وسيطرت على محافظتي أبين وشبوة، بعد هزيمة قوات «الإصلاح»، إلا أن الرياض أوقفت وقتذاك تقدّم القوات المحسوبة على أبو ظبي في حضرموت، وذلك حتى تتمكّن من تجهيز قوة بديلة تَخلف «المنطقة العسكرية الأولى»، في وادي حضرموت. ودفع هذا التكتيك بالإمارات إلى تأجيل تنفيذ الخطة المُقدّمة من «الانتقالي»، والمتعلّقة بالسيطرة على حضرموت والمهرة، وترْك فرصة للسعودية لتأسيس «قوات درع الوطن»، وهي قوة ضاربة تقودها شخصيات سلفية ترتبط بالمملكة ارتباطاً أيديولوجياً واستخباراتياً وثيقاً، وتنتشر اليوم على كامل الجغرافيا الجنوبية من قاعدة العند الاستراتيجية في لحج غرباً، وحتى نشطون في المهرة شرقاً.

“الرياض وأبو ظبي ستديران مناطق سيطرتهما بالتشارك”

وهكذا، تكون أبو ظبي قد ثبّتت معادلة جديدة مع الرياض في وادي حضرموت، تقوم على تقاسم النفوذ بينهما، على أن تتخلّى الثانية عن «الإخوان» لصالح التيار السلفي، وأن تدار المناطق الواقعة تحت سيطرة الدولتين في اليمن بالتشارك، مع إنهاء حالة الانقسام السائدة. وإذ كانت الإمارات تسيطر سابقاً على المناطق الغربية من الجنوب، والمتمثّلة في أجزاء من أبين وعدن ولحج، فيما تسيطر السعودية على الأجزاء الأخرى من أبين، وشبوة وحضرموت والمهرة، يبدو أن التفاهمات الجديدة ألغت التقاسم الجغرافي بين الدولتين، وذلك لصالح الانتشار المتناغم، من دون صدام بينهما.

وبالعودة إلى السنوات السابقة، ورغم قصقصة أجنحة حزب «الإصلاح» العسكرية والسياسية، خصوصاً في الجنوب، وذلك في سلسلة من المواجهات التي خاضتها أبو ظبي ضد الحزب عبر حلفائها، في آب 2019 وآب 2022، غير أن الرياض حاولت استيعاب الحزب مؤقّتاً ضمن توليفة «المجلس الرئاسي» والحكومة، وأبقت على سيطرته في مأرب وتعز أيضاً، فضلاً عن نفوذه في حضرموت قبل المواجهات الأخيرة. لكنّ السؤال يبقى: ماذا بعد أحداث حضرموت؟ وهل ستؤدّي خسائر «الإصلاح» الميدانية فعلاً إلى تقليص نفوذه في «المجلس الرئاسي» والحكومة؟ وهل تصبّ تلك التحوّلات في صالح «الانتقالي»، الذي خاض المواجهة تحت شعار «تحرير الجنوب من القوات الشمالية»، معتبراً أن «المنطقة العسكرية الأولى» هي الرئة التي يتنفّس منها «الإخوان» و»الحوثيون»؟ أم أن المستفيد فقط سيكون التحالف السعودي – الإماراتي، خصوصاً بعد تفكيك ما يسمى قوات «الشرعية»، وآخرها «المنطقة العسكرية الأولى» التي تُعدّ قوة نظامية مُعتبرة، تنتشر على رقعة جغرافية تضمّ 3 محافظات تشكّل أكثر من ربع مساحة اليمن – وهي المحافظات الغنية بالثروات النفطية والغازية -، وظلّت متماسكة منذ ما قبل الحرب على اليمن، ولم تتورّط في أي مواجهات مع أي طرف، كما حافظت على ترسانة عسكرية ضخمة تضمّ راجمات صواريخ وعربات مصفّحة ودبابات، وطيراناً حربياً ومروحياً ومُسيّراً؟

على أي حال، يبدو أن أحداث حضرموت والمهرة أسدلت الستار على حقبة المراوحة في سياسات التحالف السعودي – الإماراتي إزاء الحلفاء اليمنيين التقليديين، فاتحةً الباب أمام مرحلة جديدة عنوانها تقاسم النفوذ بين الرياض وأبو ظبي، إنما عبر أدوات جديدة لا تشكّل خطراً على أطماع الدولتين في اليمن، علماً أن تلك القوى مُمثّلةً بـ»الانتقالي» و»درع الوطن»، تشكّل ضمانة حقيقية بعدم تجاوز «الخطوط الحمر» المرسومة من قبل التحالف، والهادفة أولاً إلى منع الانفتاح على صنعاء، ومواصلة السياسات التدميرية لكل مقوّمات الدولة في البلاد.

عن وكالة ميادين المقاومة

شاهد أيضاً

مناورات «سهند 2025»: إيران تعمّق انخراطها الأمني شرقاً

استضافت إيران مناورة “سهند 2025” لمكافحة الإرهاب، التي شاركت فيها جميع دول “منظمة شنغهاي للتعاون”، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *