وفد من مجلس الأمن في سوريا: «تضامن» لا يخلّف أثراً

تُبرز زيارة وفد مجلس الأمن لسوريا رسائل دعم شكليّة لسيادة البلاد وسط تصعيد العدوان الإسرائيلي واستمرار التجاذب الدولي حول مسار الانتقال السياسي.

تكشف زيارة الوفد عن مستوى غير مسبوق من التوافق داخل أروقة المجلس حول الملف السوري.

في سابقة تُعدّ الأولى من نوعها، زار وفد من مجلس الأمن الدولي، سوريا، حيث أجرى جولة على عدد من الأماكن، والتقى الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، ووزير خارجيته أسعد الشيباني. الزيارة التي تزامنت مع جملة من الأحداث، أبرزها التصعيد الإسرائيلي المستمرّ ضد سوريا، والضغط الأميركي الشكلي على تل أبيب، لدفعها إلى توقيع اتفاقية أمنية مع دمشق، بالإضافة إلى حلول الذكرى السنوية الأولى للإطاحة بالنظام السابق، حملت، بحسب مندوب سلوفينيا في مجلس الأمن ورئيس الوفد صامويل جوكبار، «رسائل دعم لسيادة سوريا ووحدتها، والتأكيد على استقلالها وسلامة أراضيها». وأضاف جوكبار، أنّ «المجتمع الدولي، بكل ما يملك من أدوات وخبرات، يرغب في مساعدة سوريا، للمضي قدماً نحو مستقبل أفضل، وبناء جسر للوصول إلى هذا المستقبل».

وزار الوفد، الذي ضمّ أعضاء مجلس الأمن الخمسة عشر – بمن فيهم الدول الخمس الدائمة العضوية (الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين) -، بالإضافة إلى عشر دول غير دائمة – هي: سيراليون وكوريا الجنوبية وبنما وباكستان وغيانا واليونان والجزائر وسلوفينيا والدنمارك والصومال -، الجامع الأموي في دمشق. كما عقد لقاءات مع عدد من ممثّلي «المجتمع المدني»، قبل أن ينتقل إلى جوبر وبيت جنّ، للاطّلاع على آثار العدوان الإسرائيلي الأخير، الذي تسبّب باستشهاد 13 شخصاً وإصابة آخرين.

ويأتي اللقاء الذي يعَدّ الأول من نوعه بين أعضاء المجلس والرئيس الانتقالي، بعد شطب اسمَي الأخير ووزير داخليته، أنس خطاب، من قائمة الإرهاب الأممية. كذلك، يأتي بعد يوم واحد من اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً غير ملزم بعنوان «الجولان السوري»، يدعو إسرائيل إلى الانسحاب من مرتفعات الجولان المحتلّة، صوّتت لصالحه 123 دولة مقابل 7 أصوات معارضة وامتناع 41 دولة عن التصويت.

يمكن اعتبار الزيارة بروتوكولية إلى حدّ كبير، يتبعها انتقال الوفد إلى لبنان في إطار جولة إقليمية

وفي هذا الإطار، وفي ردّ إسرائيلي جديد على الحراك الأميركي الداعي إلى توقيع اتفاقية أمنية مع سوريا، وعلى التحرّك الدولي «الشكلي» في الاتجاه نفسه، قال وزير خارجية الاحتلال، جدعون ساعر، إنّ «تل أبيب، ترغب في دراسة التوصل إلى اتفاق مع سوريا، لكن ذلك مشروط بالحفاظ على أمننا وقدرتنا على العمل قرب الحدود»، معيداً بذلك تأكيد شروط نتنياهو المعلنة. وأضاف ساعر، أنّ «أي ترتيبات مستقبلية يجب أن تتضمّن استمرار السيطرة الإسرائيلية على نقاط استراتيجية، بما في ذلك قمة جبل الشيخ» الاستراتيجية التي احتلّتها إسرائيل إلى جانب مناطق أخرى، عقب سقوط نظام الرئيس السابق بشار الأسد العام الماضي.

وفي المقابل، لم تتضمّن تصريحات رئيس وفد مجلس الأمن، في أثناء زيارته إلى سوريا، أي إشارة إلى دور المجلس في ترتيب العملية الانتقالية وفق القرار 2254، الذي يمنح المجلس صلاحية الإشراف المباشر على هذه العملية، وذلك رغم التعقيدات المتعلّقة بـ«هيئة تحرير الشام» التي كان يقودها الشرع، ولا تزال مصنّفة «منظمة إرهابية» في قوائم المجلس. ويفتح هذا النأي بالنفس الباب أمام تساؤلات عديدة حول الدور الفعلي الذي يعتزم المجلس تأديته في سوريا، في ظلّ استحواذ الولايات المتحدة – عبر مندوبها الخاص توماس برّاك – على إدارة الملف السوري بالتعاون مع تركيا، الشريك الاستراتيجي لواشنطن في سوريا، وفق تعبير الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

وبعيداً عن التساؤلات حول الدور الفعلي للمجلس، تكشف هذه الزيارة عن مستوى غير مسبوق من التوافق داخل أروقة المجلس حول الملف السوري. إذ أعلن أعضاء المجلس دعمهم لسوريا وحرصهم على «وحدة أراضيها»، بمن فيهم المندوب الصيني – الذي كان قد امتنع سابقاً عن التصويت على قرار شطب اسمَي الشرع وخطاب من قوائم الإرهاب -، وذلك في سياق توسيع قنوات التواصل بين بكين ودمشق، عقب زيارة الشيباني إلى الأولى الشهر الماضي. وكانت انتهت تلك الزيارة ببيان مشترك أعلن فيه الطرفان التزامهما بمحاربة المجموعات الإرهابية الأجنبية في سوريا، في وقت نقلت فيه وكالة «فرانس برس» عن مصدر حكومي سوري أنّ دمشق تعهّدت بتسليم بكين 400 مقاتل إيغوري، على دفعات، وهو ما نفته الخارجية السورية بعدما أثارت هذه التسريبات جدلاً واسعاً داخل الأوساط «الجهادية»، خصوصاً أنّ «الإيغور» أصبحوا فعلياً جزءاً من هيكلية الجيش السوري الناشئ، بدعم أميركي.

وبشكل عام، يمكن اعتبار الزيارة بروتوكولية إلى حدّ كبير؛ ورغم أنّ أعضاء الوفد حاولوا البعث برسائل توحي باستمرار متابعتهم الملف السوري، فإنه لم يُلتمس أي أثر يُذكر لذلك حتى الآن. وبالتالي، يبقى الفيصل الوحيد لأثر هذه الزيارة، ودور المجلس في ترتيب العملية الانتقالية السورية، محكوماً بالخطوات الفعلية التي سيتّخذها حول سوريا، خصوصاً تلك المتعلّقة بتطبيق بنود القرار 2254. وكان تعرّض هذا القرار إلى اختراقات واسعة منذ سقوط النظام، من بينها سقوط طرفَي تطبيقه (النظام والائتلاف المعارض)، وتمديد الشرع المدّة الانتقالية من 18 شهراً، وفق نصّه، إلى خمس سنوات، بالإضافة إلى اتّخاذه إجراءات أخرى غير واردة في متنه، ليتحوّل «2254» منذ صدوره عام 2015، إلى مجرّد حبر على ورق.

عن وكالة ميادين المقاومة

شاهد أيضاً

ملاحقة 4700 شركة بتهمة التهرب الضريبي

كشف وزير المال ياسين جابر أنه يوجد 4700 شركة تجارية في لبنان، يشتبه في تهربها …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *