تقهقر ميداني أوكراني متواصل: واشنطن تستعجل «استسلام» كييف
وكالة ميادين المقاومة
3 أيام مضت
أخبار هامّة, الرئيسية, النشرة الدولية, مقالات مختارة, منوّعات
تخطّط روسيا و الولايات المتحدة لعقد محادثات جديدة حول إنهاء الحرب، وسط تصاعد قلق أوكرانيا وأوروبا من محاولة الأميركيين «تدوير» خطّة – هي في الأساس طرحٌ «روسي» – من شأنها أن تؤدي إلى «استسلام» أوكراني.

بعد شهر «عاصف» من الدبلوماسية، أعلن الكرملين، أمس، أن اجتماعاً بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والمبعوث الخاص للرئيس الأميركي ستيف ويتكوف (وربما جاريد كوشنر)، سيُعقد، اليوم، بعيداً من الإعلام، وسط حالة من عدم اليقين المتزايد في كييف وسائر العواصم الأوروبية، المتخوّفة ممّا تَعتبره خطّة سلام «صُنعت في روسيا»، وأعادت الولايات المتحدة تدويرها.
وتأتي اللقاءات الأميركية – الروسية المُنتظرة، عقب اجتماعات عُقدت أول من أمس، ضمّت وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو وويتكوف وكوشنر، إلى نظرائهم الأوكرانيين، وذلك لأكثر من أربع ساعات في فلوريدا. ووفقاً لمسؤول أميركي كبير تحدّث إلى صحيفة «وول ستريت جورنال»، فإن المحادثات تناولت الجداول الزمنية المحتملة لإجراء انتخابات جديدة في كييف، واحتمال تبادل الأراضي بين روسيا وأوكرانيا، فيما لا تزال هناك قضايا حاسمة أخرى من دون حلّ، بما فيها طبيعة الضمانات الأمنية الأميركية والغربية لأوكرانيا. وإذ أعلن روبيو أن الجانبين «أحرزا تقدُّماً»، فهو أشار إلى أن المفاوضات «معقّدة»، في حين وصفها الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، بأنها «كانت بنّاءة»، «إنّما لا يزال علينا العمل على بعض الأمور الصعبة».
وتوّجت مفاوضات الأحد شهراً من الدبلوماسية العالية المخاطر التي بدأت في فلوريدا عندما التقى كوشنر وويتكوف مع المفاوض الروسي، كيريل دميترييف، للتوصّل إلى خطّة سلام أوّلية من 28 نقطة. وترأّس الوفد الأوكراني إلى فلوريدا أمين مجلس الأمن القومي والدفاع الأوكراني، رستم أوميروف، بدلاً من أندريه يرماك، أحد كبار المسؤولين الأوكرانيين الذي استقال على خلفية فضيحة فساد. وقال مسؤول مطّلع على المفاوضات، لموقع «بوليتيكو»، إن المهمّة الرئيسية للوفد الأوكراني تمثّلت في «استكشاف» ما إذا كان «قد تمّ إخبار الأوكران بكلّ شيء في النهاية»، وذلك بعدما أظهرت التسجيلات التي تمّ تمريرها إلى «بلومبرغ» في وقت سابق، أن ويتكوف اقترح، في مكالمات مع كبار المسؤولين الروس، «أفضل السبل للتعامل مع ترامب لضمان دعم الرئيس الأميركي لنهاية الحرب المقترحة من جانب موسكو لحربها ضدّ كييف». ويأتي كل هذا بعدما لم تسفر المحادثات في جنيف، والتي حضرها مفاوضون أوروبيون وأوكرانيون وأميركيون، وتمّ خلالها تقليص الخطة من 28 إلى 19 نقطة، عن أيّ انفراجات تُذكر، على الرغم من أن موسكو أعلنت أنها «ستدرسها».
من جهته، ذهب موقع «ذي إنسايدر» إلى حدّ اعتبار الخطّة المطروحة برمّتها «إنتاجاً روسياً» محضاً، مشيراً إلى أن المفاوضين الأميركيين كتبوها مع «مدخلات» من كيريل دميترييف، رئيس صندوق الثروة السيادي الروسي، وأحد النافذين في الكرملين، ما يجعلها، في الجوهر، وثيقة روسية، أعيد تدويرها، علماً أن الموقع «كان حصل عليها نفسها قبل عدّة أشهر من مصدر مُقرّب من الحكومة الروسية»، وفقاً للتقرير. ومع ذلك، أوحت التصريحات التي أدلى بها بوتين، نهاية الشهر الماضي، بـ«تشاؤم» روسي بإمكانية التوصّل إلى أيّ اتفاق قريب، خصوصاً في ظلّ تمسُّك موسكو بشروطها لإنهاء الحرب؛ إذ أعلن أن بلاده «ستوقف العمليات العسكرية في أوكرانيا إذا وافقت قوات كييف على الانسحاب من الأراضي التي تطالب بها روسيا»، وإلّا فإنها ستُطرد «بالقوّة العسكرية».
ميدانياً، لم تحدّ المفاوضات المكثّفة الجارية مع كلّ الأطراف من التصعيد الميداني الدائر بين القوات الروسية ونظيرتها الأوكرانية، التي باتت تعاني «خسائر» ميدانية متزايدة. وفي هذا السياق، أعلنت وزارة الدفاع الروسية، أمس، السيطرة على بلدة كلينوفويه في دونيتسك وإسقاط 97 مُسيّرة أوكرانية في يوم واحد، فيما أكّدت كييف، بدورها، التصدّي لعشرات المُسيّرات الروسية. كذلك، دان الكرملين الهجوم الأوكراني على بنية تحتية لشركة «كاسبيان بايبلاين كونسيورتيو»، في عطلة نهاية الأسبوع، واصفاً إيّاه بـ«المروّع»، علماً أن الشركة المُستهدفة تضم مساهمين من روسيا وكازاخستان والولايات المتحدة.
“أوْحَت مواقف بوتين، أخيراً، بـ«تشاؤم» روسي من إمكانية التوصّل إلى أي اتفاق قريباً”
وكانت موسكو أعلنت، الجمعة، استهداف مراكز الصناعة العسكرية الأوكرانية، ومراكز الطاقة الداعمة لعملها، بضربة واسعة النطاق، باستخدام أسلحة متناهية الدقة. وأشارت وزارة الدفاع إلى أن وحدات قوات مجموعة «الجنوب» استعادت مواقع مهمّة، ودحرت تشكيلات تابعة للقوات المسلحة الأوكرانية بالقرب من بلدات سيفيرسك، وإيفانوبول، وكونستانتينوفكا، وستيبانوفكا، وبلاتونوفكا، وفاسيوكوفكا، وبيريستوف في دونيتسك.
وبحسب «وول ستريت جورنال»، فإن «براعة روسيا المتزايدة في ضرب خطوط الإمداد الأوكرانية أيضاً بطائرات مُسيّرة، تمثّل التحوّل الأكثر أهمية في الحرب في عام 2025». ويعني ميل «الكفّة» إلى روسيا في هذا المجال، طبقاً للمحلّلين والمقاتلين الأوكران في الخطوط الأمامية الذين يدرسون الصراع نفسه، إضعاف «اليد الدبلوماسية» لكييف، في وقت يضغط فيه الأعضاء المؤثّرون في إدارة ترامب من أجل إنهاء الحرب بشروط مؤاتية لموسكو.
وفي هذا الإطار، أشارت مجلة «فورين أفيرز»، إلى أن القتال يشتدّ والمقاييس تتدهور بالنسبة إلى أوكرانيا، محذّرةً من أنه من دون اتخاذ أيّ إجراء مضاد، قد تعاني أوكرانيا قريباً من هزيمة عسكرية من شأنها أن تمنح روسيا نصراً رمزيّاً مهمّاً وربّما أكثر. ووفقاً للمجلة، فإنّ مدينة بوكروفسك، وهي مركز صناعي وسككي مهمّ في شرق أوكرانيا، تقترب من الانهيار بعد أشهر من صدّ الضغط الروسي المتواصل، بحسب صحيفة «كييف إندبندنت». وإذ تفوق القوات الروسية في هذا القطاع نظيرتها الأوكرانية عدداً بنسبة 8 إلى 1، وفق زيلينسكي، فإن سقوط بوكروفسك سيُعدّ أكبر خسارة حضرية قد تتعرّض لها أوكرانيا منذ أكثر من عامين. ويخلص التقرير إلى أنّه لطالما اعتمدت روسيا على استراتيجية «الصمود أكثر من الغرب»، مرجّحة أن تتعب الولايات المتحدة وأوروبا من استمرار الصراع، فيما يتعزّز هذا الاعتقاد ليس بسبب انتصارات موسكو، بل نتيجة الانقسامات والاضطرابات الداخلية في الغرب. ومن دون تصحيح المسار، «قد تشرف أميركا قريباً على أول هزيمة يتم التفاوض عليها لديمقراطية حديثة على يد قوّة استبدادية في قلب أوروبا، وهي منطقة اعتبرها الرؤساء الأميركيون حيوية للمصالح الوطنية طوال 80 عاماً، ناهيك عن أنّ جائزة نوبل للسلام تُمنح من أجل السلام، لا من أجل الاستسلام»، بحسب المصدر نفسه.
وفي خضمّ ذلك، بدا لافتاً تلويح رئيس اللجنة العسكرية لحلف «الناتو»، الأميرال جوزيبي كافو دراغوني، في حديث إلى «فايننشال تايمز» البريطانية، بأنّ الحلف «يدرس كل الخيارات»، بما فيها إمكانية شنّ «ضربات استباقية»، لتكون بمثابة «إجراءات دفاعية»، في تغيّر واضح «في الأساليب التقليدية للحلف وتصرفاته»، مُقِراً بأنّ تلك الاستراتيجية تصطدم، حتى اللحظة، بعقبات «قانونية». ورداً على حديث دراغوني، اعتبرت الخارجية الروسية أنّ تلويح «الناتو» بالضربات الاستباقية، هو محاولة «غير مسؤولة» لتقويض جهود التسوية في أوكرانيا.
مرتبط