أربعة أيام من التنكيل | طوباس بعد العدوان: الهدف تهجير الضفّاويين

يكشف عدوان طوباس أنّ الإحتلال الإسرائيلي يستخدم التنكيل والدمار لفرض التهجير وانتزاع الأرض، فيما تتصاعد سياساته لضمّ الضفة وتأبيد الاحتلال عبر روايات أمنية مُفبركة.

يُسوِّق الإحتلال عدة ذرائع لتبرير حربه اللانهائية في الضفة الغربية..

انسحبت قوات الاحتلال الإسرائيلي من محافظة طوباس والأغوار الشمالية، مساء السبت، مُنهِيةً أربعة أيام من الاقتحامات التي ترافقت مع حظر للتجوال، وتنكيل وتخريب للممتلكات. وكان جيش العدو دفع بثلاثة ألوية مُعزّزة بعشرات الآليات والجرافات العسكرية، إلى المحافظة، حيث بدأ عملية متجدّدة احتجز خلالها عشرات المواطنين، مُجرِياً معهم تحقيقات ميدانية، ومُبقِياً على 10 منهم قيد الاعتقال. كما اعتدى جنوده على أكثر من 200 مواطن آخرين، 69 منهم نُقلوا إلى المستشفيات، في وقت نُفّذت فيه حملة مداهمات واسعة طاولت منازل في المناطق كافّة التي تمّ اقتحامها، وذلك بزعم إحباط «بنى تحتية» للمقاومة الفلسطينية، التي تقول وسائل الإعلام العبرية ومصادر المؤسّسة العسكرية، إنها عادت إلى محاولات بناء نفسها.

على أن محافظ طوباس والأغوار، أحمد الأسعد، اعتبر، في حديث إلى «الأخبار»، أن العملية العسكرية التي شنّها الاحتلال «كانت ذات أهداف سياسية بحتة، وهي تخدم توجّهات حكومته في مسألة ضمّ الضفة الغربية وإعلان السيادة عليها». ولفت الأسعد إلى أن الاحتلال وضع، من خلال فرضه حظراً للتجوال على المحافظة، نحو 70 ألف فلسطيني في المحافظة قيد الاعتقال والاحتجاز، مُضيفاً أن «العملية لم تحقّق أيّ أهداف عسكرية ولم تكن لها علاقة بذلك، بل هي مرتبطة بنوايا إسرائيل الاستيلاء على آلاف الدونمات من أراضي محافظة طوباس والأغوار الشمالية». كما أشار إلى أن «الاحتلال يعمل في الضفة الغربية وفق استراتيجية قائمة على تنفيذ الضمّ والتضييق على المواطنين، وفرض أمر واقع على الأرض». وأفاد الأسعد بأنه وجّه تعليماته إلى لجنة الطوارئ المركزية واللجان الفرعية، للبدء الفوري في فتح الطرق وإزالة السواتر الترابية وتأهيل شبكات المياه والكهرباء، كما إلى لجان حصر الأضرار للشروع في عملها، وذلك تمهيداً لعودة طلبة المدارس إلى فصولهم، والموظفين والعمال إلى أعمالهم.

وكانت بلدة طمون في محافظة طوباس، التي شكّلت هدفاً مركزياً للعملية الأحدث، برزت، في السنوات الأخيرة، كموقع مُتقدِّم في مواجهة الاحتلال؛ إذ شهدت حملات عسكرية وعمليات اغتيال دامية، في حين جرى استهدافها بشكل كبير خلال الأيام الماضية. ووفقاً لما قاله رئيس بلدية طمون، سمير بشارات، في حديث إلى «الأخبار»، فإنه «بعد انسحاب قوات الاحتلال، تفاجأنا بحجم الدمار الكبير في البلدة، من حيث تدمير البنية التحتية وخطوط مياه الشرب وشبكات مياه الزراعة، إضافة إلى الدمار الذي لحق بأكثر من 166 منزلاً تمّ اقتحامها، وتحويل 25 منزلاً منها إلى ثكنات عسكرية طيلة أيام العدوان». ولفت إلى أن «166 منزلاً في البلدة لحق بها دمار كبير، ولم يبق فيها شيء صالح للاستخدام»، مُضيفاً أنه «تمّ احتجاز 125 مواطناً، أُفرج عنهم لاحقاً باستثناء 6»، بينما سُجّلت عمليات سرقة مصاغ ذهبي وأموال نقدية من منازل المواطنين.

“قال 77% من الإسرائيليين، إن الضفة تُعتبر أكثر منطقة مثيرة للقلق الأمني بالنسبة إليهم”

وفنّد بشارات تذرّع الاحتلال بأن العملية العسكرية تهدف إلى القضاء على مجموعات المقاومة، قائلاً إن «ما جرى على الأرض يهدف فقط إلى الضغط على المواطنين في المحافظة، في إطار الحرب على سرقة الأرض»، مُذكِّراً بأن «الاحتلال أصدر، قبل أسبوعين فقط، تسعة قرارات استيلاء على مساحات شاسعة من البلدة». وأكّد أن «الصراع في المحافظة هو على الأرض والمياه. والاحتلال يضغط على المواطن للابتعاد عن أرضه وبيته، لإفساح المجال أمام المستوطنين»، مشيراً إلى أن المواطنين يخشون قيام العدو باجتياح آخر أكثر وحشية.

وكان جيش الاحتلال أعلن، في الـ25 من الجاري، البدء بعملية عسكرية شمال الضفة الغربية، تركّزت في محافظة طوباس، وذلك في محاولة لتكريس حالة التأهب الأمنية على أرض الواقع. وعلى رغم انسحاب القوات الإسرائيلية من المحافظة، إلا أنه لا يمكن عدّ العملية منتهية؛ إذ قد يعاود الجيش اقتحام طوباس أو غيرها من المناطق في أيّ وقت، وهو ما يفسّر تصريح الناطق باسم جيش العدو الذي أعلن أن الحملة العسكرية مستمرّة في شمال الضفة. وفي خلفية ذلك، فإن تعظيم الحالة الأمنية في الضفة، وإبرازها كونها أكثر خطورة من ساحات غزة أو لبنان وحتى سوريا وإيران، يمثّلان استراتيجية إسرائيلية دائمة، تتيح الاستمرار في العمليات العسكرية والقصف والتقتيل والاستيطان؛ علماً أن تل أبيب ذهبت أخيراً إلى القول إن المواجهة الأكثر حدّة ستكون في الضفة الغربية، التي تسير نحو الانفجار الأمني.

في ضوء ذلك، تُسوِّق إسرائيل عدة ذرائع لتبرير حربها اللانهائية في الضفة الغربية؛ فتتحدّث أحياناً عن نوايا الفصائل وتحديداً حركتَيْ «ححماس» و«الجهاد الإسلامي» في العمل على بناء قواعد وخلايا عسكرية لتنفيذ هجمات ضدّها، وأحياناً أخرى عن استمرار الجهود الإيرانية واتّساعها لجهة تهريب السلاح إلى الضفة، وذلك على غرار ما نشرته الإذاعة الإسرائيلية العامة، صباح الأحد، نقلاً عن مصدر أمني، من أن طهران تعمل على «إعادة بناء قدرات الحوثيين في اليمن»، وتنفّذ «عمليات تهريب أسلحة إلى الضفة الغربية لتنفيذ هجمات داخل إسرائيل». وفي أحيان ثالثة، تقول إن الأجهزة الأمنية الفلسطينية تستعدّ وتتدرّب لمواجهة إسرائيل؛ وفي سيناريو رابع، تُجدِّد الحديث عن إمكانية شنّ هجوم مشابه للسابع من أكتوبر من الضفة الغربية على المستوطنات الإسرائيلية.

وفي ظلّ هذه الجهود الدعائية، أظهر أحدث استطلاع للرأي أجراه «معهد أبحاث الأمن القومي» في جامعة تل أبيب، أن 77% من الإسرائيليين يرون أن الضفة هي أكثر منطقة مُثيرة للقلق الأمني، بينما قال 74%، إن هذه المنطقة هي إيران، و65% أشاروا إلى غزة، و64% إلى لبنان، و37% إلى سوريا، بينما رأى 28% أنها اليمن. وفيما أيّدت الغالبية شنّ حرب على لبنان، قال 46.5%، إن الوضع الأمني في الشمال يستوجب العودة إلى حرب محدودة، لكن 12% رأوا أن الوضع يقتضي حرباً شديدة تشمل اجتياحاً بريّاً، و28.5% اعتبروا أن الوضع الأمني يوفّر الأمن للسكان، و13% قالوا، إنهم لا يعرفون.

عن وكالة ميادين المقاومة

شاهد أيضاً

صحيفة “البناء”: مهمة كرم مرهونة بالنتائج لا بالنوايا.. فهل التفاوض وهم أم فرصة؟

قال مرجع سياسي إنّ البيان الرئاسي حول مهام التفاوض المنوطة بالسفير السابق سيمون كرم بدّد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *