شتاء قاسٍ جديد على سوريا: المازوت (ليس) بمتناول اليد
وكالة ميادين المقاومة
4 أيام مضت
أخبار هامّة, الرئيسية, النشرة الدولية, مقالات مختارة, منوّعات
يكشف عجز الأسر السورية عن تحمّل كلفة المازوت والحطب عمق الفقر وتآكل الدخل، فيما يبقى خفض الأسعار محدود الأثر وسط شتاء قاسٍ يهدد الأمن المعيشي والبيئي.

تتّجه عائلات كثيرة نحو الحطب اضطراراً لا رغبة، وهو ما يهدّد البيئة ويعمّق آثار الجفاف!
مع دخول فصل الشتاء، يواجه السوريون مجدداً سؤال التدفئة الذي بات يشكّل عبئاً سنوياً لا يقلّ ثقلاً عن تأمين الغذاء والدواء. فبين موجة غلاء طاولت كل السلع والخدمات الأساسية، برز قرار خفض أسعار المحروقات أخيراً كخطوة إيجابية في ظاهرها، لكن أثرها ظلّ محدوداً، في ظلّ اتّساع رقعة الفقر، وتآكل القدرة الشرائية للمواطنين. ورغم أهميّته، إلا أن خفض سعر المازوت لم يقدّم حلولاً حقيقية للأُسر التي تعيش تحت خط الفقر، أو على تخومه؛ ذلك أن الكلفة لا تزال بعيدة من متناول شرائح واسعة، خصوصاً في الأرياف والمناطق الأكثر هشاشة. وفيما حاولت بعض العائلات المفاضلة بين أسعار المازوت والحطب، بدا هذا الحل نظريّاً ولا معنى له لِمن لا يمتلك ثمن أيٍّ منهما.
الحطب رفاهية أيضاً
يختصر نعيم ملحم، الخمسيني والأب لتسعة أطفال، بكلماته، مأزق آلاف العائلات. يقول الرجل الذي يقضي ساعات يوميّاً بحثاً عن الحطب، لـ«الأخبار»: «لا أقدر على شراء المازوت حتى بعد انخفاض سعره. فقدتُ مصدر دخلي الوحيد، وأحتاج إلى نحو 200 ليتر على الأقلّ، يتجاوز ثمنها المليوني ليرة، وهو مبلغ غير متاح لأمثالنا». ويضيف: «نحن ببساطة لا نمتلك خيار المازوت. بالكاد أؤمن رغيف الخبز لأطفالي، فكيف لي أن أدفع ثمن مازوت التدفئة؟ منذ الصيف بدأت أجمع ما أستطيع من الحطب».
وكذلك الأمر بالنسبة إلى سهام، الأم لخمسة أبناء، والتي سارعت صيفاً إلى شراء الحطب حين كان سعر الكيلو 500 ليرة، قبل أن يرتفع إلى ما يزيد على 1300 ليرة. تقول سهام: «الحطب، رغم ارتفاع سعره، يبقى أرخص من المازوت. لا نستطيع دفع ثلاثة ملايين ليرة لتأمين حاجتنا من المازوت. والأسوأ أنّنا لا نضمن استقرار السعر، فهو قابل للارتفاع في أيّ لحظة». وتلفت إلى أن مدفأة الحطب، رغم الجهد وتكاليف التنظيف، تبقى خياراً عمليّاً في الأرياف، لكونها تؤمّن التدفئة وتسمح بتسخين المياه وطهو الطعام، ما يخفّف استهلاك الغاز والكهرباء.
على الطرف الآخر، هناك فئات تضطر إلى استهلاك المازوت، بغضّ النظر عن كلفته؛ إذ تؤكد وسام، الأم لطفل صغير، أن الحطب ليس خياراً بالنسبة إليها: «رائحة الدخان لا يحتملها ابني، كما أن استخدام الحطب داخل الشقق السكنية يسبّب روائح وتلفاً للجدران. لذلك اضطرّ إلى اعتماد المازوت رغم كلفته». وتعتقد أن انخفاض السعر يحمل جانباً إيجابياً بيئياً، لأن اعتماد المازوت يقلّل من قطع الأشجار، لكنها تعتبر ذلك غير كافٍ «ما لم تتم إعادة دعم مازوت التدفئة للعائلات الأكثر فقراً».
“مع تناقص الأشجار وتراجع الغطاء النباتي، تتّجه عائلات كثيرة نحو الحطب اضطراراً لا رغبة”
من جهته، يرصد أبو محمد، الرجل السبعيني المتقاعد من ريف حماة الغربي، التغيّرات التي ضربت نمط الحياة في الريف السوري منذ سنوات، خصوصاً بعد خسارة عدد من الأسر مصادر رزقها. ويقول: «خفض الأسعار جيّد بلا شك، لكن ما قيمته إذا كان ثمن 20 ليتراً من المازوت يعادل أجرة يوم عمل كامل؟ حتى الحطب ارتفع سعره. مَن لا يستطيع شراء الحطب أو المازوت، سيعتمد على ما يجده في الطبيعة، إنْ وُجِد أصلاً». ويتحدث أبو محمد عن الغطاء النباتي الذي فقده الريف خلال السنوات الماضية، وذلك نتيجة الحرائق والقطع الجائر، ويرى أن استمرار هذا النهج يعني تفاقم الجفاف وتدهور البيئة، مطالباً الحكومة بإيجاد حلول واقعية لتأمين وسائل التدفئة بأسعار مقبولة، حتى لا تبقى بيوت الفقراء باردة.
نقطة إيجابية… لكنها غير كافية
من الناحية الاقتصادية، يرى الخبير التنموي، أكرم عفيف، أن خفض سعر المازوت «خطوة مهمّة، لكنها غير كافية قياساً على واقع الدخل». ويوضح، في حديث إلى «الأخبار»، أنه «لا يمكن مقارنة الحطب بالمازوت اليوم، لأن غالبية العائلات لا تستطيع شراء أيّ منهما. بعض الأسر التي تمتلك دراجات نارية قد تستفيد من انخفاض السعر، لكن هذا استثناء». ويقدّم مثالاً يوضح عمق الأزمة، بالقول: «العائلة تحتاج وسطيّاً إلى خمسة ليترات يومياً، ما يعني 50 ألف ليرة يوميّاً، ومليوناً ونصف مليون شهرياً. وإذا احتسبنا الموسم كاملاً، فنحن نتحدّث عن سبعة ملايين ليرة. مَن يستطيع تحمّل هذه الكلفة؟ ولذلك، فإن خفض السعر على أهميته، لا يغيّر حقيقة أن المازوت لا يزال خارج قدرة غالبية الأسر». ويشير عفيف إلى إمكانية تطوير بدائل محلّية للتدفئة، من مثل استخدام مخلفات المحاصيل الزراعية بعد فرمها وتحويلها إلى كبسولات مخصّصة لمدافئ خاصة، وهي تقنية مستخدمة في دول عدة، مبيّناً أن اعتماد مثل هذه البدائل قد يحقّق هدفَين معاً: خفض كلفة التدفئة على الأسر الفقيرة، وحماية الغطاء النباتي المعرّض لمزيد من التدهور بسبب الحاجة الملحّة إلى الحطب. كذلك، فإن «إنشاء صناديق دعم محلية أو مناطقية لتمويل مازوت التدفئة وتطوير البدائل، سيكون له أثر كبير في المديَين القريب والبعيد، بشرط ربطه بسياسات بيئية واضحة».
على أي حال، يعكس المشهد العام شعوراً مشتركاً لدى السوريين بأن الشتاء سيكون قاسياً، وذلك في ضوء تآكل القدرة الشرائية وتراجع الدخل. ومع استمرار ارتفاع أسعار السلع والخدمات، وغياب برامج دعم فعّالة، تبدو المعادلة بسيطة، لكنها مؤلمة: المازوت مكلف… والحطب مكلف… والفقراء عالقون بين خيارَين أحلاهما مرّ. وفي وقت تتناقص فيه الأشجار ويتراجع الغطاء النباتي، تتّجه عائلات كثيرة نحو الحطب اضطراراً لا رغبة، وهو ما يهدد البيئة ويعمّق آثار الجفاف. وبين الحاجة الملحّة إلى التدفئة وحماية الموارد الطبيعية، تبدو الحلول المتاحة اليوم، مجرّد إسعافات أولية غير قادرة على معالجة جذور المشكلة.
مرتبط