حرب نفسية أميركية شرسة ضدّ فنزويلا: «الصقور» يستعجلون التدخّل

تصعّد واشنطن حربها النفسية على الرئيس الفنزويلي، نيكولاس مادورو، ملوّحةً بشنّ عمليات سرّية وتعزيز الضغوط الاقتصادية ضدّ كاراكاس، وذلك وسط دعوات إلى الانتقال المباشر إلى العمليات العسكرية.

يرى أبرامز أن «التغيير» لن يتطلّب «أيّ انتشار بري للقوات الأميركية، باستثناء الغارات ضدّ شخصيات النظام»

قبيل غزو العراق عام 2003، عمدت الطائرات التابعة للقوات الأميركية إلى إلقاء منشورات فوق البلاد، تتضمّن تحذيرات للقوات العراقية من إطلاق النار على الطائرات الأميركية، ونصائح إلى المواطنين بمتابعة البثّ الإذاعي الأميركي. وفي عمليات «ترهيب» مماثلة، عمد البنتاغون، خلال غزو بنما عام 1989، إلى محاصرة زعيم البلاد آنذاك، مانويل أنطونيو نورييغا، عقب لجوئه إلى سفارة الفاتيكان للاحتماء بها، بموسيقى الروك «والميتال» الصاخبة طوال أيام عدّة، وذلك بهدف إجباره على تسليم نفسه. واليوم، تكرّر واشنطن الاستراتيجية ذاتها ضدّ الرئيس الفنزويلي، نيكولاس مادورو، والتي بلغت، على ما يبدو، أعلى مستوياتها، ولا سيما عقب نقل وكالة «رويترز» عن مسؤولين أميركيين قولهم إن الولايات المتحدة تستعدّ لإطلاق «مرحلة جديدة» من العمليات المتعلقة بفنزويلا في الأيام المقبلة، على أن تشكل «الإجراءات السرية» الجزء الأول منها.

ولا يستبعد مراقبون أن تشمل «العمليات النفسية» (PSYOP) التي لا تزال واشنطن تعتمدها ضدّ فنزويلا حتى اللحظة، هجمات تخريبية – من مثل تفجير محوّل كهرباء في جزء من البلاد -، سيكون من الصعب تحديد ماهيّتها؛ إذ قد تبدو مجرّد نتيجة لسنوات من سوء الصيانة، وهو ما من شأنه تعميق حالة التشوّش لدى السكان. كما أن الكشف عن تفويض للـ«سي آي إيه» بشنّ عمليات ضدّ مادورو، جنباً إلى جنب مضاعفة مكافأة القبض على الأخير، يهدفان، من بين جملة إجراءات أخرى، إلى تعزيز الضغط النفسي، وتحفيز المسؤولين أو القادة العسكريين على الانفصال عن النظام. كذلك، كان لافتاً نشر «واشنطن بوست» تقريراً، في وقت سابق، تفيد فيه بأن البيت الأبيض اقترح أن تقوم طائرات عسكرية أميركية بإسقاط مناشير فوق كاراكاس. ورغم تخطّي الموعد المتوقع لتلك العملية، التي كان من المفترض أن تتزامن مع يوم عيد ميلاد مادورو الأحد، إلّا أن واشنطن لن تتخلى، على الغالب، عن استراتيجيتها الهادفة إلى دفع الرئيس الفنزويلي إلى «الفرار» عبر التضييق عليه؛ علماً أنها صنّفت، الإثنين، رسمياً، «كارتل دي لوس سولز» الفنزويلي كمنظمة إرهابية أجنبية، وفرضت عقوبات إضافية تتعلّق بالإرهاب على الجماعة التي قالت إنها تضمّ مادورو ومسؤولين آخرين رفيعي المستوى، في إجراء وصفته الحكومة الفنزويلية بـ«السخيف»، نظراً إلى أنه يستهدف مجموعة «غير موجودة».

على الخطّ نفسه، نشر «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية» توصيات باللجوء إلى «جملة من الألعاب» المتاحة، والتي «يمكن الفوز بها» بعيداً من الحرب. ومن بين تلك «الألعاب»، استخدام محرّكات الذكاء الاصطناعي لرصد «التغيرات» أو التوجهات في الرأي العام الفنزويلي تجاه حكومة مادورو، بما يتيح كسب «حرب المعلومات»، ولا سيما أن الشعوب المحلية «لم ترحّب»، تاريخياً، بالدخول العسكري الأميركي إلى أراضيها، حتى عندما كانت هناك «مبررات» قانونية، وهو ما لا ينطبق، حتى اللحظة، على كاراكاس. مع ذلك، وفي حين تدعو بعض الأصوات في الداخل الأميركي إلى تجنّب خوض «مغامرة عسكرية» إضافية، تهدف إلى قلب النظام في دولة جديدة عبر القوة العسكرية، مشدّدة على ضرورة الاستمرار في اعتماد التضييق الاقتصادي والترهيب النفسي وغيرها من الأدوات غير الحربية للإطاحة بمادورو، فإن بعض «الصقور» يشجّعون، بشكل متزايد، على اللجوء إلى الخيار العسكري. ومن بين هؤلاء، نائب مستشار الأمن القومي في عهد جورج بوش، والممثل الخاص لفنزويلا خلال ولاية ترامب الأولى، إليوت أبرامز، الذي نشر تقريراً في مجلة «فورين أفيرز»، في الأيام الماضية، جاء فيه أن انتصار المعارضة الديموقراطية وترامب، ونهاية النظام، «غير مضمونين».

“ستشكل «العمليات السرية» الجزء الأول من المرحلة الجديدة في الحرب على فنزويلا”

وإذ يمكن أن يؤدي إبقاء الأسطول الأميركي في مكانه وتشديد العقوبات الاقتصادية، إلى تخفيض دخْل النظام بشكل مطّرد، والحدّ، بالتالي، من قدرته على «شراء الدعم»، إلا أن «النظام تمكّن لعقود من حماية نفسه من الانقلاب بمساعدة هائلة من كوبا». وعليه، يرى أبرامز أن «مجرد (تجويع) هذا النظام لن يكون كافياً، بل يجب إجباره على الخروج من السلطة بضربات عسكرية، بهدف هدم هياكله، بما في ذلك في الجيش، ووضعها في حالة من الفوضى والخوف على مستقبلها». وفي حين يشترك أبرامز مع غيره من المسؤولين الأميركيين المناهضين لكاراكاس، بالمحاججة بضرورة «مكافحة تدفق المخدرات»، إلا أنه يقرّ بأن الإطاحة بمادورو من شأنها أن «تعزّز مصالح واشنطن، وتحمي الأمن القومي الأميركي، وتفيد الفنزويليين وجيرانهم». كما يمكن أن تؤدي إلى انخفاض الهجرة إلى الولايات المتحدة، «والمزيد من الحرية والازدهار في فنزويلا، وإنهاء تعاونها مع الصين وكوبا وإيران وروسيا، والذي يمنح الدول المعادية لمصالح الولايات المتحدة قاعدة عمليات في البرّ الرئيسي لأميركا الجنوبية».

ومن هنا، يرى المسؤول الأميركي السابق أنه «يتعيّن على إدارة ترامب أن تنهي حالة الغموض، وأن توضح أنها تعتزم التعامل ليس فقط مع أعراض المشكلة، أي الإتجار بالذهب والمخدرات والبشر والهجرة الجماعية وجرائم العنف وعدم الاستقرار، بل مع سببها الجذري، أي نظام مادورو». وينبّه أبرامز إلى أن إعلان ترامب، نهاية الشهر الماضي، في مقابلة تلفزيونية، أن أيام مادورو «باتت معدودة»، جعل الرئيس الأميركي وإدارته أمام خطر جديد؛ إذ إنّه عقب العدد الكبير من التعهدات واستعراض القوة البحرية، فإن ترك مادورو في مكانه سيضع الأخير في مظهر «الناجي» الذي تفوّق على ترامب، وأظهر أن النفوذ الأميركي في نصف الكرة الغربي هو، في أحسن الأحوال، محدود. وطبقاً للمصدر نفسه، وفي حين لن يخلو استخدام القوة العسكرية الأميركية للإطاحة بمادورو من المخاطر، نظراً إلى إمكانية أن يفشل في إنهاء النظام ويحرض على التمرّد ضدّ الولايات المتحدة، إلا أن التغيير لن يتطلّب، طبقاً لأبرامز، «أيّ انتشار بري للقوات الأميركية، باستثناء الغارات التي تشنها القوات الخاصة ضدّ شخصيات النظام التي وُجهت إليها بالفعل اتهامات بالإرهاب المرتبط بالمخدرات، من قبل أجهزة إنفاذ القانون الأميركية». وبالتالي، فإن «المكاسب المحتملة التي قد تجنيها الولايات المتحدة من انهيار نظام مادورو تفوق المخاطر بكثير».

عن وكالة ميادين المقاومة

شاهد أيضاً

ملاحقة 4700 شركة بتهمة التهرب الضريبي

كشف وزير المال ياسين جابر أنه يوجد 4700 شركة تجارية في لبنان، يشتبه في تهربها …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *