إيران في محور الشرق: ملامح شراكة… لا تحالف
وكالة ميادين المقاومة
3 أسابيع مضت
أخبار هامّة, الرئيسية, النشرة الدولية, مقالات مختارة
يكشف تموضع إيران شرقيّاً ملامح شراكة محسوبة مع روسيا والصين تعزّز الردع وتواجه الضغوط الغربية ضمن معادلة مصالح بلا تحالف.

تتوقّع إيران أن تقدّم روسيا والصين دعماً مؤثراً لها في مواجهة الغرب..
مع تسارع التحوّلات في ميزان القوى العالمي، تَبرز المنطقة اليوم كمساحة لإعادة رسم الاصطفافات بين الشرق والغرب. وفي ظلّ المشهد المضطرب القائم، تبدو روسيا والصين أقرب إلى إيران من أيّ وقت مضى، فيما وجدت هذه الأخيرة نفسها، ولا سيما منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي عام 2018 وعودة العقوبات عليها، أمام خيار يُلزمها «التوجُّه شرقاً». وفتحت هذه السياسة الباب أمام اتفاقات تعاون إستراتيجي طويلة الأمد مع موسكو وبكين، وتُوّجت بانضمام طهران إلى «منظمة شنغهاي للتعاون» ومجموعة «بريكس»، بدفع واضح من القوّتَين الشرقيّتَين. ومع ذلك، تطفو على السطح تساؤلات في الجمهورية الإسلامية حول مدى عمق هذا الدعم، خصوصاً بعد حرب الـ12 يوماً الإسرائيلية – الأميركية، في حزيران الماضي، وتوقّع البعض في إيران موقفاً أكثر حزماً، وأقلّ حذراً، من جانب روسيا والصين. غير أن ردّ الفعل من جانب الأخيرتَين جاء محسوباً بدقّة، عاكساً توازناً دقيقاً بين المصلحة والدعم، لا بين التحالف والمواجهة.
وفي وقت تحتاج فيه إيران إلى استعادة قوّة الردع، فهي تتوقّع أن تقدّم روسيا والصين دعماً مؤثراً لها في مواجهة الغرب. وفي هذا السياق، ثمّة معطيات في طهران تتحدّث عن وصول شحنات من الصين تحتوي على وقود صلب للصواريخ ومعدّات صناعية متقدّمة، وأخرى تحتوي إمدادات روسية متنوّعة، ليس من بينها مقاتلات «سوخوي-35» التي كانت إيران بصدد الحصول عليها منذ سنوات، أو منظومة «إس-400» للدفاع الجوي. وإذا كانت أدوات الدعم الروسية والصينية مؤثّرة بالفعل، فإن استخدامها اتّسم بالحذر، خصوصاً وأن البلدَين لم يمنحا، طهران، أيّ ضمانات أمنية رسمية، فيما لم يُطرح أيّ إطار دفاعي ثلاثي أو التزام جماعي داخل منظومتَي «شنغهاي» أو «بريكس». والواقع أن أيّ دعم يظلّ مشروطاً بمبدأ المصلحة القومية؛ فما دام استقرار إيران وممرّات الطاقة والترانزيت الأوروآسيوي قائماً، يستمرّ الإسناد، أمّا إذا قرّرت طهران الانخراط في مواجهة مباشرة مع واشنطن، فسيتراجع هذا الزخم فوراً.
وينبع موقف موسكو وبكين تجاه المواجهة بين واشنطن وتل أبيب من جهة، وطهران من جهة ثانية، من التباينات العميقة في المنطق الجيوسياسي. فبالنسبة إلى الكرملين، مثّلت حرب حزيران علامةً على انحسار الهيمنة الأميركية، وبداية تشكُّل نظام دولي متعدّد الأقطاب. أما الصين، فتنظر إلى الأمر بعين الاقتصاد والطاقة؛ إذ أشار «مركز الدراسات الصيني لشؤون الخليج» إلى أن الهجوم الإسرائيلي على إيران أحدث فجوة في أمن الطاقة الإقليمي، بلغت 32%، ورفَع أسعار النفط إلى 104 دولارات للبرميل. وعليه، ترى بكين أن استقرار طهران ليس خياراً سياسيّاً، بل ضرورة بنيوية لاستمرار مشروع «الحزام والطريق»، وتأمين طرق الطاقة إلى غرب الصين.
“بالنسبة إلى الكرملين، مثّلت حرب حزيران، علامةً على انحسار الهيمنة الأميركية”
وإلى جانب تداعيات حرب الـ12 يوماً، جاء تفعيل الترويكا الأوروبية (فرنسا، ألمانيا وبريطانيا) «آلية الزناد»، وما تبع ذلك من عودة للعقوبات الأممية في أيلول الماضي، ليضع علاقات إيران مع الشرق أمام اختبار جديد؛ علماً أن روسيا والصين سارعتا إلى إدانة الخطوة، ووصفتاها بأنها «انتهاك صريح» للقرار 2231 الصادر عن مجلس الأمن. وللتقليل من أثر العقوبات، فتحت موسكو أمام بكين بوابة مالية عبر نظام «SPFS» (النسخة الروسية من نظام «سويفت» الغربي)، لتمكينها من إدارة معاملاتها الدولية، فيما أعلن البنك المركزي الإيراني أن نحو 22% من التبادلات المالية مع روسيا، بما يعادل 3.2 مليارات دولار حتى تشرين الأول الماضي، تمّت عبر هذه القناة، وهو ما يؤسّس لنموذج جديد من التعاون المالي الأوراسي. أما الصين، فمضت في توسيع تجارتها النفطية مع إيران عبر منظومة الدفع العابرة للحدود «CIPS»، وشركات وسيطة في هونغ كونغ وشنتشن. ووفقاً لبيانات مؤسسة «Refinitiv»، بلغ حجم التعاملات غير الدولارية بين البلدَين، في الربع الأول من العام الجاري، أكثر من 17 مليار دولار، 18% منها فقط بالدولار، ما يعكس تحوّلاً فعليّاً نحو «إزالة الدولرة» من العلاقات المالية الثنائية.
في العمق، تنظر موسكو وبكين إلى طهران بوصفها ضحيّة نظام غربي آخذ في التآكل، لا سبباً في الأزمات. ومن منظور الصين، تمثّل العقوبات الغربية استمراراً لـ«سياسة كبح الاكتفاء الذاتي للشعوب المستقلّة»، وفقاً لما تصفها به أدبيات ما بعد الهيمنة في بكين. ومنذ حرب حزيران وعودة العقوبات الأممية، تبنّت روسيا والصين نهجاً مزدوجاً: فهما تريان في إيران ركيزة أساسية للتوازن الإستراتيجي في غرب آسيا، لكنهما، في الوقت ذاته، تتعاملان معها وفقاً لحسابات دقيقة تخصّ مصالحهما طويلة الأمد؛ فهما ليستا حليفتَين مطلقتَين ولا مراقبتَين محايدتَين، بل شريكتان حذرتان، تسعيان إلى إبقاء إيران قوية من دون الانجرار إلى مواجهة مباشرة مع الغرب. واليوم، وبعد صيف ساخن، تبدو طهران وقد نجحت – رغم العقوبات والضغوط – في تثبيت موقعها ضمن المعسكر الشرقي، لا عبر الاتّكال المطلق، بل عبر إدارة ذكية للمصالح المشتركة، في حين تمثّل سياسة موسكو وبكين تجاهها نموذجاً جديداً من «الشراكة غير التحالفية»، التي تُبنى على المصالح والاستقرار لا على الالتزامات العسكرية.
مرتبط