الإحتلال الإسرائيلي يُرَوِّض الجنوب بالإستبيانات: المساعدات بوّابةً للإحتلال المُقنَّع!

تؤكد التدخلات الإسرائيلية في جنوب سوريا وجود نيّة لتكريس نوع من الاحتلال المقنّع، باستغلال الاحتياجات المعيشية لدى السكان.

يعمل الإحتلال على بناء قاعدة بيانات إجتماعية بشكل مباشر، عبر حواجز التفتيش.

تكشف الوقائع الميدانية في جنوب سوريا، منذ سقوط النظام في 8 كانون الأول 2024، عن تغيّرات واضحة ومتسارعة في أنماط التدخل والسلوك العسكري والأمني الإسرائيلي؛ إذ لم يعُد هذا السلوك يكتفي بنمط الردع التقليدي الذي عملت إسرائيل على تكريسه بعد السقوط، بل تعدّاه إلى نمط التمركز الثابت الذي سيكون من شأنه تكريس الاحتلال غير المعلن. وفي حين تستكمل إسرائيل العمل في مشروع «صوفا 53»، الذي بدأ منذ عام 2022، وتعمل على توفير مسالك بريّة مرنة لإقامة نقاط التفتيش، وفرض واقع أمني جديد يوسّع الهامش العملياتي، بهدف إعادة رسم المشهد الحدودي تدريجياً، يبدو أن إستراتيجيتها تجمع أيضاً ما بين الأدوات «الخشنة» وتلك «الناعمة». وفي هذا الإطار، يعمل الاحتلال على بناء قاعدة بيانات اجتماعية بشكل مباشر، عبر حواجز التفتيش التي يقيمها جنوده في قرى القنيطرة، وينفّذون استبيانات عبرها. وبحسب معلومات حصلت عليها «الأخبار»، تتضمن هذه الاستبيانات أسئلة ذات طابع اجتماعي عن عدد أفراد الأسرة، وحالتهم الصحية والمادية، وأعمالهم الحالية والسابقة، ومؤهلاتهم العلمية، واحتياجاتهم الأساسية والغذائية، جنباً إلى جنب مدى تأييدهم للسلطات الجديدة.

ويقول أحد أهالي قرية العشا في ريف القنيطرة الجنوبي، لـ«الأخبار»، إن النشاط الإسرائيلي يظهر «دقّةً في جمع البيانات عن الأهالي، والتي لا تقتصر على معرفة الحاجات فقط، بل تمتدّ إلى النفاذ إلى معلومات عن الأشخاص، وخصوصاً البالغين منهم»، مشيراً إلى أن قوات الاحتلال «صوّرت هويات البالغين باستخدام لوحات إلكترونية متطوّرة، وبرّرت عملها بأنه يهدف إلى إنشاء جداول إحصائية لتوزيع مساعدات عينية»، محاولةً الإيحاء بأنها لا تسعى إلى تكرار سيناريو قرية حضر، «التي تحصل على مساعدات نقدية تصل إلى 450 دولاراً شهرياً، ويتمّ فيها جمع استبيانات بهدف التمهيد لعمليات استقطاب وتجنيد في الداخل المحتل». ويوضح المصدر نفسه أن «حركة جمع الاستبيانات تتركّز في المناطق التي باتت تشكّل حيّزاً مرناً لتحركات قوات الاحتلال، ولا سيما الحميدية والقحطانية ورسم الرواضي ورسم البيضاء ورسم أبو شبطة، بينما في مناطق أخرى، كبئر عجم والأصبح، يبدو الواقع مختلفاً»؛ إذ رغم محاولة العدو «جذب» الأهالي هناك تمهيداً لجمع الاستبيانات منهم، خصوصاً عبر إغرائهم بتوزيع المساعدات، فإن هؤلاء يؤكّدون رفضهم القاطع الانجرار إلى هذا الفخّ، باعتبار أنّه «لا يمكن أن نقبل بتطبيع وجود الاحتلال بيننا».

“أسهمت الانتهاكات الإسرائيلية في تردّي الأوضاع الاقتصادية جنوبي البلاد”

في السياق نفسه، كشفت مصادر خاصة، لـ«الأخبار»، أن قوات العدو عمدت، الثلاثاء، إلى توزيع 50 ليتراً من المازوت للعائلة الواحدة في قرية الحميدية، علماً أن هذه الممارسات ليست الأولى من نوعها؛ إذ كانت إسرائيل قد وزّعت المادة نفسها على عدد من العائلات في الشتاء الذي أعقب سقوط النظام، محاولةً، في الوقت عينه، دفع المجتمع إلى التطبيع مع المساعدات الغذائية التي تجلبها كل 30 يوماً، وهي مدّة أقصر من الـ40 يوماً التي تحتاجها المساعدات التي يقدّمها «الصليب الأحمر» للوصول إليهم. على أن الانتهاكات الإسرائيلية، التي أدّت إلى خنق تدفّق البضائع وتعطيل حركة الزراعة – المورد الأساسي للعيش في قرى جنوب سوريا حتى حوض اليرموك -، والمقرونة بغياب أي استجابة واضحة من السلطات الجديدة لاحتواء التضخم والتقليل من الفوارق الاقتصادية، هي التي أسهمت، عملياً، في خلق تفاوت شاسع في قيمة المواد الغذائية، وتردٍّ في الواقع الاقتصادي، وسهّلت بالتالي لإسرائيل استغلال الاحتياجات المادية لـ«تفكيك المجتمع» في الجنوب، طبقاً لما يؤكده أحد المصادر في حديث إلى «الأخبار».

ويشير المصدر أيضاً إلى أن إسرائيل تسعى كذلك إلى تعزيز الانقسامات في الداخل السوري؛ وهو ما دلّ عليه، مثلاً، سماحها لبعض الأهالي الذين قدموا من قرية خضر الدرزية، بقطع أشجار من محميّة جباثا الخشب وأخذها معهم. كما أنها تحاول تمويه «نشاطها المدني» عبر العمل العسكري، على غرار ما حدث في قرية عين القاضي الشهر الماضي، حيث وزّعت سلالاً غذائية، مستغلةً حركة الدبابات للفت النظر عن عملية التوزيع، قبل أن يرفض الأهالي السلال ويحرقوها، بحسب المصدر نفسه، الذي يردف أنه مع هذا، لا يخفي الأهالي آمالهم في ألّا يتحول الغلاء وتباين الأسعار «إلى حالة دائمة تخلق تآكلاً اقتصادياً يفكّك البنية الاجتماعية، ويفاقم شعورهم بعدم الأمان».

عن وكالة ميادين المقاومة

شاهد أيضاً

«لوبيات» لبنانية من ورق تبحث عن زبائن في واشنطن

التحوّلات الكبيرة في المنطقة وفّرت لبعض اللبنانيين فرصة للتجارة في ما يُعرف بـ«اللوبيات»، والاستثمار في …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *