مساعٍ لتشظية الائتلاف الوليد | السوداني vs المالكي: ثنائية تنافسية جديدة

يدخل العراق مرحلة صراع شيعي داخلي لتحديد الكتلة الأكبر بعد فوز السوداني، وسط انقسام داخل “الإطار التنسيقي” وعودة المالكي إلى الواجهة.

فور إعلان النتائج الأولية للانتخابات التشريعية في العراق، دخلت القوى السياسية الشيعية في سباق ماراثوني لتشكيل الكتلة الأكبر داخل البرلمان الجديد. وجاء ذلك على وقع فوز لافت لرئيس الحكومة، محمد شياع السوداني، الذي تقدّم على معظم منافسيه داخل المكوّن الشيعي، في انتخابات كشفت مبكراً ملامح التوتر المقبل داخل «الإطار التنسيقي».

ووفق «المفوّضية العليا المستقلّة للانتخابات»، فقد حصل ائتلاف «الإعمار والتنمية» الذي يقوده السوداني على أكثر من 50 مقعداً، ما يضعه في صفوف الكبار داخل الجبهة الشيعية، ويجعله منافساً حقيقياً على القرار السياسي داخل «الإطار». في المقابل، سجّل «ائتلاف دولة القانون» بزعامة نوري المالكي حضوراً قوياً أيضاً، بعد أن حصد هو وحلفاؤه ما يزيد عن 40 مقعداً، وهو ما ينبئ – بحسب مصادر سياسية في بغداد – بانقسام حادّ داخل البيت الواحد الذي خاض انتخابات 2021 موحّداً. وبينما شهد المعسكر السنّي فوزاً واسعاً لرئيس «تقدّم»، محمد الحلبوسي، الذي حصد نحو 30 مقعداً، واحتفظ الحزب «الديمقراطي الكردستاني»، بزعامة مسعود بارزاني بموقعه المريح داخل الخريطة الكردية، يبدو أن الوضع العراقي يتّجه نحو مرحلة تفاوضية شديدة التعقيد، قد تمتدّ أسابيع وربما شهوراً قبل التوصل إلى اتفاق حول شكل الحكومة المقبلة.

ويقول مصدر سياسي في «الإطار التنسيقي»، لـ»الأخبار»، إن «الحديث عن توزيع الحصص الوزارية بدأ فعلاً بين القوى الشيعية الكبرى، على الرغم من أن المصادقة على النتائج لم تُستكمل بعد». ويضيف أن «ثمة رؤية داخل الإطار مفادها أن نحو وزيرين إلى 3 وزراء من الحكومة الحالية قد يُمنحون الثقة مجدداً في الوزارات نفسها، في إطار اتفاق مبدئي على ضمان الاستقرار الحكومي وعدم تكرار تجربة التغيير الشامل». لكنّ المصدر يؤكد في المقابل أن «الحديث عن إعادة تكليف السوداني نفسه لا يزال محل خلاف جوهري داخل الإطار، وبعض الأطراف ترى أن العودة إلى الخيار نفسه قد تثير اعتراضاً دولياً وإقليمياً».

وفي السياق نفسه، يقول القيادي في «الإطار التنسيقي»، علي الموسوي، إن «ما تحقّق كان متوقّعاً، فالسوداني يمتلك قاعدة جماهيرية، وقدّم خلال فترة وجوده في السلطة أداءً مقبولاً على المستويين الخدمي والسياسي، وهو ما انعكس في صناديق الاقتراع». لكنه يستدرك بالقول إن «إعادة تكليفه برئاسة الحكومة تبدو صعبة جداً، ليس فقط لأن بعض أطراف الإطار ترفض ذلك، بل أيضاً لوجود فيتو واضح عليه من قوى إقليمية ودولية فاعلة».

“هل تتم إعادة إنتاج صيغة «الإطار المُغلق» التي تقودها شخصيات أكثر قرباً من المالكي وطهران؟”

ويرتبط هذا «الفيتو» المُفترض، بحسب مراقبين في بغداد، بملفات تتجاوز الداخل العراقي، أبرزها العلاقة مع طهران وواشنطن، وملف التعامل مع العقوبات على قطاع الطاقة الإيراني، فضلاً عن حساسية الموقف من الانفتاح العربي والخليجي الذي اعتمدته حكومة السوداني خلال العامين الماضيين. ويشير هؤلاء إلى أن العواصم المعنيّة «تراقب بدقّة شكل التحالفات الشيعية ومدى قدرتها على إنتاج حكومة توازن بين مقتضيات النفوذ الإيراني ومتطلبات الاستقرار الداخلي».

وفي هذا الإطار، يرى مدير «مركز العراق للدراسات السياسية»، بشير الفريجي، أن العراق دخل فعلياً في «مرحلة مخاضات الكتلة الأكبر»، متوقّعاً أن «تشهد الأسابيع المقبلة انسداداً سياسياً مؤقّتاً بسبب غياب التوافق داخل الإطار التنسيقي على اسم رئيس الوزراء المقبل». ويعتقد، في حديث إلى «الأخبار»، أن «المالكي سيعمل سريعاً على تشكيل تحالف مضاد للسوداني، مستفيداً من قدرته التقليدية على إدارة المفاوضات البرلمانية، في محاولة لغلق الطريق أمام أي مسعى لإعادة رئيس الوزراء الحالي إلى الواجهة».

ووفق مصادر متابِعة، فإن تحالف «الإعمار والتنمية»، على الرغم من حصده عدداً وازناً من المقاعد، يواجه تحدياً حقيقياً في الحفاظ على تماسكه خلال الأسابيع المقبلة، إذ يُتوقّع أن تتعرّض مكوّناته لضغوط من أطراف الإطار الطامحة إلى تفكيك هذا التحالف أو جذب بعض نوابه نحو تكتلات أخرى. وتوضح المصادر أن «الإطار التنسيقي قد يسعى إلى إعادة تشكيل التحالف الشيعي الأكبر من دون السوداني نفسه، عبر ضمّ الفائزين الجدد من داخل الإطار، بما يعيد التوازن لمصلحة المالكي وقوى الدولة».

غير أن مقرّبين من السوداني يؤكدون أن رئيس الحكومة الحالي لن ينسحب بسهولة من المشهد، بل يسعى إلى استثمار موقعه للدفاع عن خيار الولاية الثانية، مستنداً إلى دعم قوى مدنية وشخصيات شيعية معتدلة ترى فيه «الوجه الممكن لتجديد السلطة من داخل الإطار نفسه». وتشير بعض التقديرات إلى أن السوداني قد يراهن على وساطة عربية – أميركية لإعادة إدماجه في الترتيبات المقبلة، في حال وجود توافق دولي على الإبقاء على معادلة «الاستقرار مقابل الشراكة».

ولا يمتلك أيّ طرف أغلبية مطلقة داخل البرلمان المؤلّف من 329 نائباً، ما يفرض بالضرورة الدخول في تحالفات عريضة بين الشيعة والسنّة والكرد. كذلك، يُتوقع أن تُسجَّل مساومات حادّة على المناصب السيادية الثلاثة: رئاسة الحكومة، ورئاسة الجمهورية، ورئاسة البرلمان، وفقاً لمعادلة المحاصصة التي رافقت كل الحكومات منذ عام 2005.

وحتى المصادقة على النتائج النهائية، يبدو أن خريطة القوى الشيعية هي التي ستحسم وجهة الحكومة المقبلة: إمّا تسوية جديدة تتيح للسوداني البقاء في السلطة، أو إعادة إنتاج صيغة «الإطار المُغلق» التي تقودها شخصيات أكثر قرباً من المالكي وطهران. وفي الحالتين، يُتوقع أن يشهد العراق أسابيع من الترقب والمساومات السياسية المكثّفة، فيما يبقى الشارع، المُنهك من الأزمات والخدمات، متفرّجاً على لعبة السلطة التي لم تتغيّر قواعدها منذ عقدين.

عن وكالة ميادين المقاومة

شاهد أيضاً

مناورات «سهند 2025»: إيران تعمّق انخراطها الأمني شرقاً

استضافت إيران مناورة “سهند 2025” لمكافحة الإرهاب، التي شاركت فيها جميع دول “منظمة شنغهاي للتعاون”، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *