انتخابات العراق: السوداني يقطف ثمار «وسـطيّته»
وكالة ميادين المقاومة
3 أسابيع مضت
أخبار هامّة, الرئيسية, النشرة الدولية, مقالات مختارة
يكرّس فوز السوداني موقعه كزعيم توافقي في عراق مأزوم، جامعاً بين الواقعية السياسية والتوازن بين واشنطن وطهران لضمان استقرار هشّ.
قفز محمد شياع السوداني إلى صدارة المشهد العراقي، انتخابياً هذه المرة، بعدما تمكّن في أثناء ثلاث سنوات له في رئاسة الوزراء، من التصدّر السياسي، وذلك عبر تشكيل نقطة تقاطع على خريطة القوى الداخلية، سواء داخل المكوّن الشيعي أو بين الأخير والمكوّنات الأخرى، وحتى بين الأطراف الخارجية النافذة، وتحديداً الولايات المتحدة وإيران، فضلاً عن نسج علاقات مع دول الخليج و«سوريا الجديدة». وبدت في خلفية هذا الدور، قاعدة رسمها السوداني بنفسه، عنوانها ضرورة أن يكون العراق محرّكاً لتحقيق ما يمكن من توافقات داخلية وخارجية تؤمّن للبلد الخروج بأقلّ الأضرار في لحظة اشتداد الصراع، الذي يهدّد بتغيير خرائط وإعادة رسم مواقع نفوذ على مساحة الشرق الأوسط بكامله.
ورغم أنّ النجاح في مثل هذه المهمّة لا يزال بعيد المنال، في بلد تضفي الفسيفساء الخاصة به تعقيدات إضافية على وضعه المفتوح على الصراع الأميركي – الإيراني العسكري والاقتصادي، والزلزال السوري، ومشاكل تركيا القومية وطموحاتها التوسّعية، فضلاً عن مشاركة فصائل المقاومة في حرب إسناد قطاع غزة ضدّ إسرائيل، إلا أنّ الاستقرار النسبي الذي شهده العراق في هذه المدّة الحرجة، يُحسب للسوداني، الذي خاض مفاوضات عسيرة مع حلفائه قبل خصومه للوصول إليه. وربما لهذا السبب، كان التصدّر الانتخابي نسبياً ومحدوداً، ولم يكن عاصفاً كذلك الذي حقّقه زعيم «التيار الوطني الشيعي»، مقتدى الصدر، في الانتخابات السابقة عام 2021، في مواجهة منافسيه داخل المكوّن الشيعي، والذين تمكّنوا مجتمعين من محو تفوّقه، لينتهي الأمر بالصدر إلى الخروج من العملية السياسية ومقاطعة الانتخابات التي جرت أول أمس.
وقد يكون التفوّق الجزئي وليس الكاسح، من حظّ السوداني؛ فهو إذ يتيح للرجل مرونة أكبر في التفاوض لتشكيل الحكومة المقبلة، وربما الحصول على ولاية ثانية في الرئاسة، غير أنه لا يحرّره أبداً من قيود الإطار الذي خرج منه، أي «الإطار التنسيقي»، الأمر الذي قد يسهّل عليه مهمّة تشكيل الحكومة المقبلة على قاعدتَي التوافقين الشيعي والوطني، وذلك بعد تذليل المسائل الشخصية المرتبطة بالطامحين المعروفين إلى رئاسة الحكومة والمناصب الأخرى.
وعلى أي حال، يبدو أنّ من أسباب فوز السوداني، في نتيجة الانتخابات، كما نجاح حكومته في تنظيمها بشكل خرج منه الجميع راضياً ومرتاحاً، من دون شكاوى تُذكر حول التزوير، هو واقعيّته في مقاربة المسائل المتعلّقة بحكمه، الذي بدأ أيضاً بحملة على الفساد – بمعزل عن مدى فاعليّتها – الذي يشكو منه العراقيون كثيراً. وحتى لو لم يحقّق السوداني المعجزات في هذا الملف، نتيجة صعوبته، وخطورة تداعياته على التوازن السياسي الداخلي، إلا أنه خرج من الولاية الأولى من دون أن تلتصق به، أقلّه في الظاهر، تهمة التورّط شخصياً في الفساد، وعرف كيّف يميّز بين تفعيل الخدمات والتوظيف بما يرضي القواعد الانتخابية – وهو ما لم يكن بعيداً عن التشبيك مع أطراف خارجية عادت لتستثمر بقوة في الساحة العراقية -، وبين الخوض في الصفقات الكبرى التي عادة ما كانت الطريق إلى بناء القواعد الحزبية والانتخابية، ولم يسلم منها كثيرون في السنوات العشرين من الحياة السياسية، في عراق ما بعد صدام حسين.
السؤال الكبير المطروح الآن هو هل سيتمكّن السوداني من الاستمرار في النهج الذي سار عليه، أم تأخذه سَكرة الفوز الانتخابي إلى خيارات قد لا تكون مناسبة وقابلة للتنفيذ الهادئ في العراق، من نوع نزع سلاح فصائل المقاومة؟ أم أنّ المستقبل سيأتي بتطوّرات أكبر من تلك التي سبقت، بما يتجاوز قدرته على الإدارة؟
مرتبط