أخبار عاجلة

الجفاف والانفلات يعطّلان الموسم: زيتون الساحل يستـحيل رماداً

يضرب الجفاف المناخي موسم الزيتون في الساحل السوري، مولّداً أزمة زراعية خانقة تهدّد الأمن الغذائي ومصدر رزق آلاف المزارعين.

انخفض إجمالي الإنتاج إلى نحو 400 ألف طن فقط.

في ظلّ موسم زيتون يعدّ الأكثر جفافاً منذ ستة عقود، تتبدّل ملامح الساحل السوري، من وفرة جعلت البلاد رقماً عالمياً في سوق الزيت، إلى ندرة تكشف أزمةً زراعية متصاعدة، مع اجتماع عوامل الجفاف وارتفاع التكاليف والوضع الأمني، لتهدّد أحد أهم مصادر الدخل الريفي. وتراجَع إنتاج الزيتون والزيت إلى أقلّ من نصف المعدّل السنوي، فيما فقدت الأيدي العاملة مصدر رزقها الوحيد، وصمتت البساتين التي كانت تضجّ بالحركة، وباتت المعاصر لا تعمل سوى لأيام معدودة.

ولعلّ أكثر ما يثير القلق هو التباين الهائل بين الموسم الحالي والسنوات «الذهبية» التي كانت فيها سوريا لاعباً رئيساً في سوق الزيتون العالمي. ويستذكر الخبير الزراعي، سمير نصير، تلك المرحلة، مشيراً، في حديثه إلى «الأخبار»، إلى أنّ سوريا كانت تمتلك عام 2010 «نحو 110 ملايين شجرة زيتون، وفي سنوات الإنتاج الوفير (سنوات الحِمل) كان الإنتاج يبلغ نحو مليون طن، يُخصّص 300 ألف طن منه للتخليل، فيما يُعصر الباقي زيتاً، لتخرج من سوريا فوائض سنوية تتراوح بين 50 و90 ألف طن للتصدير».

أمّا اليوم، فرغم أنّ عدد الأشجار لم يتراجع كثيراً؛ إذ تشير تقديرات وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي إلى وجود نحو 101 مليون شجرة عام 2025، فإنّ إجمالي الإنتاج انخفض إلى نحو 400 ألف طن فقط. وفي هذا السياق، يوضح نصير أنّ «أسباب التراجع ترتبط بجملة تحدّيات يواجهها المزارع، أبرزها الارتفاع المستمرّ في أسعار المازوت والوقود وأجور الأيدي العاملة، وغياب التسعيرة الرسمية للمنتج، ما يترك السعر رهينةً لتأثيرات السوق المتقلّبة بخلاف القمح والقطن». ويضيف أنّ العامل الطبيعي لا يقلّ خطورة؛ إذ أدّى الجفاف وقلّة المياه إلى «تفاقم ظاهرة المعاوَمة الطبيعية (تناوب المحصول بين سنة غزيرة وأخرى شحيحة)». وبحسب تقرير لـ«منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة» (الفاو)، فإنّ «الظروف المناخية القاسية التي شهدها الموسم الزراعي الحالي في سوريا هي الأسوأ منذ نحو ستين عاماً»، حيث سجّلت بعض المناطق السورية «عجزاً مطرياً بلغ 59% مقارنة بمعدلاتها الطبيعية مع بدء موسم 2025، ما أدّى إلى تدهور كبير في إنتاج المحاصيل».

تآكل العمل الموسمي

تشير أرقام الموسم الحالي في الساحل إلى كارثة حقيقية أصابت القطاع العامل في هذا المجال بكامله، وخصوصاً في ظلّ التوتّر الأمني الذي يعيشه الأهالي منذ مجازر آذار الفائت، والذي يحدّ، حتى اليوم، عمل الكثيرين من الأهالي. في معصرة حمين في ريف طرطوس، يقول المشرف محمود إسماعيل، إنّ الإنتاج هذا العام «لم يتجاوز 3% من إنتاج العام الماضي»، إذ «لم تعمل المعصرة سوى خمسة أيام بدلاً من 64 يوماً متواصلة من العمل سُجّلت العام الماضي، الأمر الذي كبّد صاحب المعصرة خسارة كبيرة، بلغت نحو 25 مليون ليرة سورية كلفة صيانة لم يستردّ معظمها، بالإضافة إلى خسارة الصناعيين والتجار ضمن مجال بيع وصيانة آليات المعاصر الذين تضرّروا نتيجة قلّة العمل أيضاً». ويبيّن، في حديثه إلى «الأخبار»، أنّ «ندرة الإنتاج هذا العام جاءت نتيجة عوامل ضاغطة على المزارع والشجرة على حدّ سواء، أبرزها الجفاف وقلّة الأمطار، إلى جانب عدم اعتناء الفلاحين بأراضي الزيتون كالمعتاد، بسبب الظروف المعيشية والوضع الأمني الراهن».

على أنّ الخسارة لم تقتصر على المزارعين، إنما طاولت أيضاً شريحة العمال الموسميين؛ ومن بينهم مثلاً نوفا، التي كانت تعتمد على موسم الزيتون للعمل في القطاف كمصدر دخل رئيس لعام كامل. تقول نوفا لـ«الأخبار» بمرارة: «لم يطلبني أحد للعمل هذا العام، نحن في عام قحطٍ شديد». وكذلك الأمر بالنسبة إلى عاطف، الذي يؤكّد، في حديثه إلى «الأخبار»، أنّ «الطلب على العمّال شبه معدوم، فهناك أراضٍ لا تحمل حبّة زيتون، وأخرى نخشى الوصول إليها بسبب الانتهاكات المتكرّرة».

“عودة وفرة الزيتون ممكنة شرط توفير التسهيلات والدعم والحماية للمزارعين”

أمّا المزارعون وتجار الزيت، فيدركون أنّ الموسم الحالي ليس مجرّد سنة «معاوَمة» طبيعية، بل جرس إنذار يهدّد مورداً اقتصادياً أساسياً. وفي هذا السياق، يقول علي، بائع الزيت من ريف اللاذقية، إنّ «عائلتي المؤلفة من أربع أسر لم تنتج حتى مؤونتها، بعدما كانت تعيش بالكامل على تجارة الزيت»، مضيفاً، في حديثه إلى «الأخبار»: «حالنا كحال كثير من العائلات في الساحل التي تعدّ موسم الزيتون أمانها وقوت يومها، واليوم فقدت الاثنين معاً».

إمكانية التعافي

في ظلّ غياب المتابعة الميدانية والرقابة الفعلية، تحوّل الإرشاد الزراعي من كونه فعلاً حيوياً إلى «إرشاد على الورق»، بحسب نصير، الذي يشير، في حديثه إلى «الأخبار»، إلى تضرّر آلاف الأشجار بالقلع والحرق، إلى جانب المعوّقات اللوجستية التي تواجه مديريات الزراعة، من مثل نقص المواصلات والكوادر وعدم التفرّغ، الأمر الذي يعطّل تنفيذ الإرشاد الميداني اللازم لدعم المزارعين.

مع ذلك، يؤكّد نصير أنّ «العودة ممكنة» شرط توفير التسهيلات والدعم والحماية للمزارعين من قبل وزارة الزراعة ومديرياتها، موجّهاً نداءً إلى الجهات المعنية لـ«القيام بواجبها وتقديم أقصى ما يمكن»، كاشفاً أنه تقدّم بعدّة مشاريع تطوير في هذا الشأن، لكن «ليس من مجيب». ويضيف أنّ الزيتون لا يزال «ثروة يمكن استعادتها وتطويرها»، مستشهداً بارتفاع عدد الأشجار في سوريا من 12 مليوناً إلى 110 ملايين بين عامَي 1970 و2000، وبأنّ «جودة الزيت السوري عالية عالمياً، خصوصاً أنّ الشجرة الأم انطلقت من سوريا». لكنه يعزو تراجع الجودة، في بعض الأحيان، إلى «أساليب القطف والعصر والتخزين، والتي قد تتسبّب في وصول الزيت إلى أقصى درجات الرداءة».

عن وكالة ميادين المقاومة

شاهد أيضاً

نشاط حلفاء أميركا وإسرائيل من اللبنانيين في واشنطن: تل أبيب لا تريد السلاح… ونحن لا نريد الحزب كله!

قد يكون هناك نجاح أولي لخصوم حزب الله المحليّين، في إقناع مسؤولين أميركيين كبار بأن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *