خلافات مُمتدّة من غزة إلى إيران | السعودية – مصر: الصدع أكبر

يكشف تصاعد الخلاف بين مصر والسعودية عن تباين استراتيجي عميق يمتد من غزة إلى إيران، ويعكس صراعاً على النفوذ الإقليمي وتباعداً في الرؤى السياسية.

لم تنل التوترات السياسية من التنسيق العسكري بين البلدين.

لم تعد العلاقات المصرية – السعودية كما كانت قبل أشهر قليلة، بل باتت تشوبها الكثير من التوتّرات والمُشاحنات، في ظلّ تضارب المصالح وتعمّق خلافات جوهرية بشأن القضايا الإقليمية التي وسّعت الهوّة بين الدولتين. ومما زاد الطين بلّة، نجاح القاهرة، بالتنسيق مع الدوحة، في التوصّل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وذلك «بالحد الأدنى من الخسائر السياسية التي لحقت بالمقاومة»، بحسب ما تقوله مصادر مصرية في حديثها إلى «الأخبار»، لافتة إلى أن القاهرة «لا تبدي استعجالاً في ترميم ما تصدّع من علاقات» مع الرياض.

وتضيف المصادر أن «الرياض التي تحرّكت مع القاهرة طويلاً للوصول إلى اتفاق تهدئة، كانت، وحليفتها أبو ظبي، تأملان في صفقات تتضمّن تنازلات قاسية من المقاومة، أقرب إلى الاستسلام»، وهو ما دفع مصر إلى «التحرّك منفردة في مراحل عدّة، انطلاقاً من رؤيتها للمقاومة كحائط صدّ لا يجوز السماح بسقوطه، حتى في ظل اتفاقية السلام المصرية مع الإحتلال الإسرائيلي، التي وصفها الرئيس عبد الفتاح السيسي للمرة الأولى بالعدو قبيل وقت قليل من إيقاف الحرب».

ويأتي هذا فيما لا تزال السعودية تنظر إلى «طوفان الأقصى»، باعتباره حدثاً عطّل مسار التطبيع الكامل مع العدو الإسرائيلي والانخراط في «الاتفاقيات الإبراهيمية»، الذي كانت نشأت قنوات اتصال بشأنه بالفعل بين الرياض وتل أبيب. ومع وقف إطلاق النار في غزة، يسعى الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، جاهداً حالياً إلى توسيع تلك الاتفاقيات، في وقت تلعب فيه الإمارات دوراً محورياً في هذا الملف، مشتغلةً على «توفير مناخ إقليمي يسمح بدخول السعودية على الخطّ لاحقاً من دون اعتراضات»، وفقاً للمصادر.

ولا يقتصر الخلاف بين القاهرة والرياض على الملفات السياسية، بل يمتدّ إلى العلاقة المباشرة بين رأسي النظامين في البلدين. فالسيسي «غير راضٍ» عن طريقة إدارة الحاكم الفعلي للمملكة، محمد بن سلمان، للملفّات الإقليمية، فيما الأخير «لا يُظهِر رغبة في تعديل سياساته التي يرى فيها الأفضل للمملكة وللمنطقة»؛ كما أنه جمّد مشاريع استثمارية سعودية كانت مُقرّرة في البحر الأحمر، في إطار تفعيل أدوات الضغط الاقتصادي على القاهرة.

“تتحفّظ القاهرة على الدعم السعودي – الإماراتي لـ «قوات الدعم السريع»”

مع ذلك، لم تنل التوترات السياسية من التنسيق العسكري بين البلدين؛ إذ يستمر التعاون بينهما لتأمين الملاحة في البحر الأحمر وضمان حريتها عند «قناة السويس». وبالتوازي مع هذا التعاون، يستمر التنسيق بين القاهرة وحركة «أنصار الله» في اليمن، وسط حديث عن تفاهمات استخبارية واسعة تستهدف استعادة الحركة الكاملة في القناة بعد عامين من تراجعها، والذي أثّر على الاقتصاد المصري.

وبالعودة إلى نقاط الخلاف الجوهرية بين مصر والسعودية، يمثّل الملف السوري إحدى أبرزها؛ إذ بينما سارعت الرياض إلى تعويم الرئيس الانتقالي السوري، أحمد الشرع، وتقديمه للمجتمع الدولي كقائد يمكن الرهان عليه في قيادة سوريا رغم «الغموض الكبير» الذي يكتنف الخطوات التي يقوم بها داخلياً، تتحفّظ القاهرة على هذا المسار. وبحسب المصادر، فإن وجهة النظر المصرية التي تعتبر الجيوش الوطنية «ضماناً وحماية للاستقرار السياسي في البلاد»، تقوم على أن «الشرع قدّم، من أجل ترسيخ حكم نظامه وتقبّله دولياً، تنازلات لا يمكن تدارك آثارها لعقود، خصوصاً في ما يتعلّق بالتفاهمات التي يجريها مع إسرائيل، والتي تهدّد الدولة السورية والأمن القومي الإقليمي».

ورغم أن السعودية بدأت ضخّ مليارات الدولارات في دمشق، فإن محاولاتها جمع النظامين المصري والسوري لم تُثمر، في ظلّ رفض القاهرة أي تنسيق أمني مع شخصيات مطلوبة أو متورّطة سابقاً في أعمال إرهابية على المستوى الاستخباراتي، ورفض دمشق تسليم مطلوبين مصريين صدرت في حقّهم أحكام قضائية وكانوا ضمن صفوف الجماعات المسلحة إبان حكم الرئيس السابق بشار الأسد.

وإلى جانب ذلك، يمثّل الملف اللبناني نقطة خلاف أخرى، وتحديداً لناحية آلية التعامل مع «حزب الله وسلاحه»؛ إذ بينما ترى مصر أن هذا الملف يجب أن يُبحث ضمن إطار «إعادة بناء الدولة اللبنانية سياسياً وعسكرياً»، تصرّ الرياض على «استمرار الضغط على الحزب لتسليم سلاحه بأيّ ثمن». على أن القاهرة تعتقد أن معالجة هذا الملف «لا يمكن أن تتم تحت الضغط أو التهديد بالمواجهة، نظراً إلى أن سلاح الحزب موجّه بالأساس إلى إسرائيل، وبالتالي يجب إنهاء الخطر الإسرائيلي أولاً، وتسليح الجيش اللبناني ثانياً، ثم نزع سلاح الحزب». كما ترى أن الوضع الراهن، بوجود قائد عسكري على رأس الجمهورية وقاضٍ على رأس الحكومة، يسمح بـ«بلورة صياغات قانونية وتموضع عسكري يبنيان دولة جديدة»، فيما لا تعتقد بضرورة تعديل «اتفاق الطائف» في الوقت الحالي.

ولا يختلف المشهد كثيراً في الملف السوداني، حيث تتحفّظ القاهرة على الدعم السعودي – الإماراتي لقوات «الدعم السريع»، فيما تواصل دعمها للمجلس العسكري بقيادة عبد الفتّاح البرهان، وتبتعد تدريجياً عن «منبر جدة» للحوار، مفضّلة مسارات موازية بالتنسيق مع واشنطن. أما في الملف الإيراني، فبرز تباين آخر إثر نجاح الوساطة المصرية بين طهران و«الوكالة الدولية للطاقة الذرّية»، والتي لم تُبلّغ الرياض بها مُسبقاً، ما أثار استياء الأخيرة التي طلبت أكثر من مرة الاطّلاع على تفاصيلها، من دون أن تتلقّى سوى معلومات مُقتضبة.

عن وكالة ميادين المقاومة

شاهد أيضاً

«لوبيات» لبنانية من ورق تبحث عن زبائن في واشنطن

التحوّلات الكبيرة في المنطقة وفّرت لبعض اللبنانيين فرصة للتجارة في ما يُعرف بـ«اللوبيات»، والاستثمار في …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *