استعدادات فنزويلية لصدّ العدوان: تيّار روبيو – ميلر يدفع نحو التدخّل

تُعزّز فنزويلا دفاعاتها لمواجهة تهديدات أميركية يقودها تيّار روبيو – ميلر الساعي لإسقاط مادورو ونهب ثروات البلاد النفطية.

لم يكن أمام حكومة مادورو، سوى البدء بتحصين الجبهة الداخلية..

لم يتّخذ الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بعد قراراً في شأن تحرُّك عسكري محتمل لإطاحة النظام البوليفاري في كاراكاس، لكنّ ترامب لم يتردّد في الإجابة على سؤال، في مقابلة معه، عمَّا إذا كانت أيام نيكولاس مادورو كرئيس لفنزويلا معدودة، بقوله: «أعتقد ذلك، نعم». ووفقاً للصحف الأميركية، فإن الرئيس يتعرّض لضغوط من مستشاريه للمبادرة إلى تنفيذ عمل عسكري ضد أهداف داخل فنزويلا – سواء كانت مواقع مزعومة لعصابات المخدّرات أو مراكز مهمّة للقوات الموالية لمادورو أو حتى الاستيلاء بالقوّة على حقول النفط -، بما يمهّد لتولية عملاء موالين لواشنطن يسهّلون نهب ثروات الجمهورية من النفط والذهب والمعادن النادرة. على أن مقرّبين من ترامب يزعمون أن الأخير متردّد إزاء الموافقة على العمليات التي قد تعرّض القوات الأميركية للخطر، أو تتحوّل إلى فشل مُحرِج. وعندما سُئل عمَّا إذا كانت الولايات المتحدة تتّجه إلى حرب مع فنزويلا، قال: «أشكّ في ذلك. لا أعتقد ذلك. لكنهم يعاملوننا بشكل سيّئ للغاية، ليس فقط في ما يتعلّق بالمخدّرات»، مكرّراً مزاعمه عن أن مادورو أَرسل «خرّيجي السجون والمصحّات العقلية وأعضاء عصابة ترين دي أراغوا» إلى الولايات المتحدة.

ويقود تيّارَ الخيارات الأكثر عدوانية، وزير الخارجية ماركو روبيو، الذي يضطلع أيضاً بمهامّ مستشار الأمن القومي بالإنابة، وستيفن ميلر، نائب رئيس أركان الجيش الأميركي ومستشار الأمن الداخلي، اللذان قالا، في أحاديث خاصة، إنهما يريان أن هناك ضرورة لإجبار مادورو على الرحيل، بحسب ما أفادت به صحيفة «نيويورك تايمز». ومن جهتهم، حذّر بعض الداعمين السياسيين الأكثر ولاءً لترامب، من تدخُّل عسكري، مذكّرين الرئيس بأنه انتُخب لـ«إنهاء الحروب الأبدية»، وليس من أجل التحريض على حروب جديدة. وكانت واشنطن حشدت قوّة ضخمة من المدمّرات وحاملات الطائرات والغواصات النووية وقاذفات القنابل الثقيلة وآلاف الجنود قبالة الشواطئ الفنزويلية في الكاريبي، وذلك تحت غطاء محاربة آفة المخدّرات (الناركو)، في حين يبدو أن الهدف الحقيقي من وراء هذه الحملة العسكرية والسايكولوجية، هو توفير الأسباب لتغيير لطالما أرادته الولايات المتحدة وفشلت فيه، على مدى ربع قرن.

“مصادر أميركية قالت، إن مادورو حاول تجنُّب هذه المواجهة، وقدّم «تنازلات» لواشنطن”

وهكذا، تحوّلت «الحرب على الناركو» إلى غطاء لعمليات قتل خارج نطاق القانون، حيث أسفرت 16 غارة أميركية، إلى الآن، عن مقتل 67 شخصاً، في هجمات يصفها خبراء بأنها انتهاك للقانون الدولي، ولا سيما أن المصادر المتخصّصة – بما فيها تلك الأميركية – تشير إلى أن فنزويلا لا تلعب دوراً محوريّاً في تجارة المخدّرات العالمية. وسبق أن عمدت وزارة العدل الأميركية إلى تصنيف مادورو وكبار قادته الأمنيين، على أنهم قادة لـ«مجموعة إرهابية مخدّراتية» (كارتل دي لوس سوليس)، وذلك بغرض تحويل الرئيس الفنزويلي إلى «هدف مشروع»، ما يفتح الباب أمام محاولات اغتيال صريحة تستهدف رئيساً مُنتخباً لدولة ذات سيادة.

وفي ما وراء ذلك، يقول مسؤولون أميركيون، إن ترامب «يركّز بشدّة» على احتياطيات النفط الهائلة في فنزويلا، والتي تُعدّ الأكبر في العالم. واللافت هنا، أن مصادر أميركية قالت إن مادورو حاول تجنُّب هذه المواجهة، من طريق تقديم «تنازلات» لواشنطن، تشمل «حصّة مهمّة في ثروة فنزويلا النفطية والمعدنية»، مع وعود بتحويل الصادرات بعيداً من الصين وروسيا. لكنّ ترامب، الذي يرى الجائزة الكبرى في متناول يده، رفض العرض الفنزويلي في بداية تشرين الأول الماضي، وسرّع من وتيرة الحشد العسكري، مانحاً الاستخبارات المركزية الأميركية، الإذن بتنفيذ «عمليات سرّية» داخل فنزويلا، وهو أمر تحدّث عنه الرئيس علناً، في كسر غير مسبوق لبروتوكولات السرّية.

وفي مواجهة هذا العداء الصريح، لم يكن أمام حكومة مادورو، سوى البدء بتحصين الجبهة الداخلية، وذلك بتكثيف إجراءاتها الأمنية، ونشْر القوات الشعبية (الكوليكتيفوس) للتصدّي لكلّ محاولة لتهديد استقرار البلاد. وإلى جانب هذه القوات، تقف «الوحدات البوليفارية»، وهي تشكيلات احتياط مدنية مسلّحة، لا يقلّ تعدادها عن مليون شخص قد لا يكونون فعّالين في مواجهة مباشرة، لكنهم يمثّلون طبقة دفاعية إضافية مُصمَّمة لمقاومة أيّ احتلال. أيضاً، نقلت تقارير صحافية من كاراكاس أنباء عن اعتقال العديد من المعارضين المؤيّدين للولايات المتحدة. وتمتلك فنزويلا ترسانة أسلحة تُعدّ الأهمّ في أميركا اللاتينية، إذ تشمل صواريخ إيرانية وطائرات «سوخوي» روسية ودبابات صينية، إلّا أن الخبراء يشكّكون في فعاليتها في حرب تقليدية ضدّ الولايات المتحدة، بفعل سوء الصيانة ونقص التدريب. لكنّ مادورو لا يراهن على حرب تقليدية، وهو استعدّ، على مدى سنوات، لما يسمّيه «الحرب غير المتكافئة»، منطلقاً من أن القوّة الحقيقية لردع الغزو، لا تكمن في الجيش النظامي (البالغ قوامه 150 ألف جندي)، بقدْر ما هي في القوات الرديفة، التي تستطيع تحويل أيّ غزو أو محاولة انقلابية إلى حرب عصابات.

وإذ يميل الخبراء إلى الاعتقاد بأن إدارة ترامب تصعّد الضغوط على كاراكاس كي يتّخذ كبار ضباط الجيش الفنزويلي قراراً بالتخلّص من مادورو لتجنّب فوضى عارمة، فإن ذلك يظلّ رهاناً مُعقّداً، بحكم التشبيك بين النظام وطبقة جنرالات الجيش. وكان مادورو، وهو سائق حافلة سابق ورئيس نقابة عمالية، فاز بفترة رئاسية ثالثة في انتخابات العام الماضي، التي شكّكت الولايات المتحدة في نزاهتها، علماً أنه تولّى السلطة خلفاً لهوغو تشافيز، الذي هزمه مرض السرطان في عام 2013.

عن وكالة ميادين المقاومة

شاهد أيضاً

مناورات «سهند 2025»: إيران تعمّق انخراطها الأمني شرقاً

استضافت إيران مناورة “سهند 2025” لمكافحة الإرهاب، التي شاركت فيها جميع دول “منظمة شنغهاي للتعاون”، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *