تنسيب المواقع الإلكترونية: تنظيم للواقع أم تعميق للأزمة؟
وكالة ميادين المقاومة
4 أسابيع مضت
أخبار هامّة, الرئيسية, النشرة اللبنانية, مقالات مختارة
أثار إعلان نقابة الصحافة اللبنانية بشأن تنسيب المواقع الإلكترونية إليها جدلاً واسعاً، يُنذر بحدوث شرخ كبير في جسم الصحافة في لبنان.
«الإعلام الإلكتروني هو مستقبل الإعلام في لبنان وتنسيبه إلى الإعلام المكتوب خطيئة»
أثار إعلان نقابة الصحافة اللبنانية بشأن تنسيب المواقع الإلكترونية إليها جدلاً واسعاً، يُنذر بحدوث شرخ كبير في جسم الصحافة في لبنان، بين مؤيد للقرار، وبين من يعارضه ويعتبره تجاوزاً لصلاحيات المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع بما يمثله، ويطالب بتأسيس نقابة مستقلة للمواقع الإلكترونية تكفل حقوقها وحقوق العاملين فيها.
وقد طرحت العديد من الجهات تساؤلات حول قانونية الخطوة التي أقدمت عليها نقابة الصحافة وإلزاميتها، ودور وزارة الإعلام فيها، فضلاً عن الهدف منها، خصوصاً في ظلّ وجود آلاف المواقع التي تحصل على العلم والخبر من المجلس الوطني، أو الحاصلة على ترخيص مباشر من الوزارة وفقًا لقانون المطبوعات، في انتظار القانون الجديد للإعلام.
رداً على هذه التساؤلات، أوضح عضو مجلس نقابة الصحافة، محمد نمر، المكلف من النقيب عوني الكعكي بمتابعة هذه المسألة، في حديث مع «الأخبار»، أن «النقابة تنسّق مع وزارة الإعلام، وخصوصاً مع الوزير الحالي، بول مرقص، وفق المسار المعتمد تجاه أي امتياز أو ترخيص أو علم وخبر»، مبيناً أن النقيب «وضع الوزير في صورة كل إجراء طبيعي تتخذه النقابة خلال لقاءات عدة».
وأضاف، تعليقاً على الخلاف الحاصل مع المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع، أن «الاحترام للمجلس حاضر دائماً»، مستغرباً عدم دعمه لقرار النقابة، فالمجلس، وفقاً لنمر «هيئة استشارية للحكومة، ويعيّن أعضاؤه من قبل الحكومة، وجزء من إدارته رسمي، كما أن الأعضاء يتم تعيينهم وليس انتخابهم، وبموجب نصوص عمله يمكنه اقتراح محاسبة للوسائل الإعلامية، ما يعني أن هيكله لا يؤهله ليكون نقابة، مع الاحترام الكامل لجهوده».
النقابة تحارب «منتحلي الصفة»
وشدّد عضو مجلس النقابة على أن القرار «هدفه الأول والأخير حماية حقوق الصحافيين وحمايتهم أمام القضاء وبالقانون، خصوصاً بعد جولة الاستدعاءات الأخيرة التي طالت عدداً منهم».
كما يهدف القرار إلى «منع انتحال صفة الصحافي»، وفقاً لنمر الذي لفت إلى وجود «مواقع إلكترونية تقوم بعمل يوصف بأنه إعلام أو صحافة، لكنه في الحقيقة نشر إلكتروني».
وإذ أكّد وقوف النقابة «إلى جانب منطق الحريات في البلد»، رأى نمر أنه «في الوقت نفسه يجب إعادة مكانة الصحافي أمام الفوضى الحاصلة، خصوصاً في المواقع الإلكترونية»، متسائلاً: «هل يُعقل أن يدير شخص واحد خمسة أو ستة مواقع إلكترونية، ويبث الأخبار بعيداً عن أي أخلاقيات مهنية؟ هذه حالة نشر إلكتروني وليست موقعاً إلكترونياً صحافياً».
وفي هذا السياق، أوضح نمر أن «من لا يكون ضمن النقابتين المنصوص عليهما في القانون فهو منتحل صفة إلى حين ترتيب وضعه»، بالنسبة لنقابة الصحافة.
أما بالنسبة للمواقع الإلكترونية التي لن تسجّل العلم والخبر في النقابة، أو التي لا تستوفي الشروط، فأشار نمر إلى أنها ستُعتبر «مواقع غير صحافية، والنقابة لن تكون معنية بها، وستندرج ضمن بند النشر الإلكتروني الذي يرعاه قانون الحريات، ولكن ليس الحرية الصحافية الممنوحة لمؤسسات وصحافيين بناءً على خبرتهم ومهنيتهم».
إلى ذلك، أوضح نمر أن النقابة عادت وصحّحت بيانها، وأزالت الشرط الثامن لانتساب المواقع الإلكترونية، والذي كان ينص على أن يحصل الموقع الإلكتروني على «اعتماد من 10 جرائد بالاستفادة من أخبار الموقع»، معتبراً أن «هذا دليل على جديتها في تسهيل العلم والخبر وانضمام المواقع إلى جسمها النقابي».
وعمّا إذا كان هذا الإجراء مؤقتاً واستثنائياً إلى حين صدور قانون الإعلام الجديد، تمنّى نمر الوصول إلى «خواتيم تدعم حرية الإعلام وتنظّمه بوضوح، والإسراع في إقرار قانون جديد»، لافتاً إلى أن النقابة، ممثلةً بمجلسها، وضعت «تعديلات جوهرية» فيه، غير أنه أكّد أن «قانون الإعلام لن يلغي عمل نقابة الصحافة ولا دور اتحاد الصحافة ونقابة المحررين»، خاتماً بأن «العمل النقابي أساس هذا البلد، والتاريخ يشهد».
محفوظ يحذّر من «خطيئة كبيرة»
على المقلب الآخر، يتمسّك المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع، ممثلاً برئيسه، عبد الهادي محفوظ، بمطلب تأسيس نقابة خاصة للمواقع الإلكترونية، مشدّداً على أنه حالياً الجهة الوحيدة المخوّلة بمنح المواقع العلم والخبر أو سحبه منها، بناءً على تفويض من اللجنة البرلمانية للإعلام.
ويشير محفوظ، في حديث مع «الأخبار»، إلى أن «المادة الرابعة من قانون الإعلام المرئي والمسموع تنص على أن كل إشارة صوتية أو ضوئية لا تحمل طابع المراسلات الشخصية هي إعلام مرئياً ومسموعاً»، بينما ينحصر اختصاص نقابة الصحافة بالإعلام المكتوب.
على الرغم من ذلك، يحذّر محفوظ من «محاولة تنسيب الإعلام الإلكتروني إلى الإعلام المكتوب»، مؤكّداً أنها «خطيئة كبيرة»، خصوصاً «في ظلّ تراجع وضع الإعلام المكتوب، أولاً بحكم الكلفة، وبسبب الحرب الأهلية التي دفعت الإعلام اللبناني عموماً إلى أن يكون إعلام متاريس»، معرباً عن تخوّفه من أن يكون الهدف منها «دفع الإعلام الإلكتروني إلى أن يصبح إعلام محاصصة، عبر اختيار المواقع الإلكترونية التي تمثل أحزاب السلطة حالياً».
يحذّر محفوظ من «محاولة تنسيب الإعلام الإلكتروني إلى الإعلام المكتوب» مؤكّداً أنها «خطيئة كبيرة»
أمّا عن إشارة نقابة الصحافة إلى «منتحلي الصفة»، فيستغرب محفوظ هذه التسمية، معتبراً أن منتحل الصفة ومن لا يلتزم بشروط المهنة «يسقط وحده على حافة الطريق»، لافتاً، في هذا الصدد، إلى أن المجلس الوطني يقوم في هذه الحالة بسحب العلم والخبر من المخالف، وتتم إحالته إلى القضاء والأجهزة الأمنية المختصة.
وفي حال وجود إجحاف بحق أي موقع، فبإمكان مالكه، وفقاً لمحفوظ، مراجعة القضاء المختص والتقدّم بدعوى ضد المجلس الوطني.
إلى ذلك، يتقدّم محفوظ بـ«نصيحة» إلى نقابة الصحافة، داعياً إياها إلى «الاهتمام بشؤون الإعلام المكتوب قبل أن يموت، خصوصاً في ظلّ هيمنة الإعلام الخليجي على جميع أنواع الإعلام في البلد».
أما الإعلام الإلكتروني، فهو «مستقبل الإعلام في لبنان»، وفقاً لمحفوظ، الذي يدعو السلطة والقضاء إلى تطبيق القانون على المؤسسات المخالفة أياً كانت.
هُنا، يُشير رئيس مجلس الإعلام إلى أن مشروع قانون الإعلام الجديد تضمّن «اقتراح لإنشاء محكمة للإعلام»، مستدركاً: «لكن لا ندري ماذا حصل، لأن المجلس لم يُشرك في هذه المناقشات. وهناك محاولة لوضع النقابات في لجنة الإشراف، وهذا خطأ كبير، لأن الجهة التي يفترض أن تراقب لا يمكن أن تكون هي نفسها الرقيب».
نقابة المحررين: حماية الحقوق أولاً
بدورها، تؤكّد نقابة محرري الصحافة اللبنانية أن الأمر بالنسبة إليها «محسوم»، إذ إنها ترحّب بكل الصحافيين العاملين في قطاعات الإعلام، ومنها الإعلام الإلكتروني، وقد بدأت منذ فترة طويلة بتنسيب الصحافيين العاملين في المواقع التي تمتلك مواصفات المؤسسة (سجل تجاري، رقم مالي، عدد معين من الموظفين…) وفقاً لقانون المطبوعات، بانتظار قانون الإعلام الجديد.
ويشير نقيب المحررين، جوزيف القصيفي، في حديث مع «الأخبار»، إلى «وجود فرصة اليوم لتنظيم المواقع الإلكترونية قبل أن تتفاقم مشكلاتها، إما بتنسيبها إلى نقابة الصحافة، أو بتأسيس نقابة خاصة بها»، مبيناً أن هذا الأمر ما زال «موضع خلاف حتى بين أصحاب المواقع أنفسهم».
أما العامل المشترك بين الحالتين فهو أن العاملين في هذه المؤسسات سيتم تنسيبهم إلى نقابة المحررين، التي ينحصر اهتمامها حالياً بتأمين حقوق منتسبيها بعيداً عن كل السجالات، وفقاً للقصيفي.
وفي هذا السياق، يشدّد القصيفي على ضرورة ألّا يكون المحرّرون «كبش محرقة» في هذا النزاع، أو أن يفضي الأمر إلى «شرخ» داخل الجسم الإعلامي. ويدعو وزارة الإعلام إلى الاضطلاع بدورها في إخراج هذه الملفات من دائرة السجال، ولاسيّما عبر فتح حوار بين الجهات المعنية، وفي مقدّمها نقابة الصحافة والمجلس الوطني للإعلام، للتوصل إلى اتفاق.
المواقع الإلكترونية: نحن أهل الصحافة
بعد ساعات على إعلان نقابة الصحافة، جرى، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تداول بيان يحمل عنوان: «نحن أهل الصحافة يا نقابة».
وقد حمل البيان، في بدايته، توقيع «المواقع الإلكترونية في لبنان، المنتشرة في كل المحافظات من الشمال إلى الجنوب، ومن البقاع إلى بيروت والجبل»، دون أن يحددها، معرباً عن استغراب هذه الجهات «ودهشتها الشديدة للبيان الصادر عن نقابة الصحافة اللبنانية، الذي يحدد شروطاً تعسفية لتسجيل المطبوعات الإلكترونية، وكأننا في زمن يعود إلى الوراء لا إلى المستقبل».
وتوجّه إلى نقابة الصحافة، متسائلاً: «هل تعلمون أن المواقع الإلكترونية أصبحت المصدر الأول للأخبار في لبنان، ووكالة إعلامية تعتمدها القنوات المحلية والفضائيات العربية والعالمية في تغطياتها اليومية؟ وهل تدركون أن داخل هذه المواقع يعمل صحافيون محترفون، وكفاءات عالية، ونخبة من الإعلاميين الذين يشهد لهم الناس بالمصداقية والسرعة والموضوعية، أكثر بكثير من بعض المنابر الورقية والمرئية التي فقدت دورها وتأثيرها؟».
وأكّد البيان، في طياته، أن «المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع هو الجهة الرسمية المخوّلة قانوناً برعاية وتنظيم شؤون المواقع الإلكترونية، وليس أي جهة أخرى»، متسائلاً، مرة أخرى: «دور نقابة الصحافة خلال الحرب على لبنان، حين كانت المواقع الإلكترونية تنقل بالصوت والصورة والدم معاناة الناس وصمودهم، وسقط من إعلامييها شهداء وجرحى في الميدان؟ هل كانت النقابة تتابع الأحداث عبر الصحف الورقية أم عبر المواقع الإلكترونية التي تشاهدها اليوم تحاول تهميشها؟».
ودعا البيان «النقابة التي تتحدث عن تنظيم الإعلام الرقمي، إلى أن توحّد صفوفها وتحدّد دورها أولاً، بدل أن تفرض قرارات فوق صلاحياتها».
وقد رفض نمر، بدوره، التعليق على «بيان مجهول المصدر فيه إساءة لتاريخ نقابة الصحافة ونقابييها»، معتبراً أنه «من الواضح أن هناك من يستفيد من الفوضى في الإعلام»، في حين أن ما يشهده لبنان، وفقاً لتعبير نمر، «لا يحتاج صبيانية وولدنات، بل يحتاج وعياً إعلامياً وفهماً واضحاً لنظم الإعلام وللتاريخ والحاضر والتطور الذي سنقبل عليه».
وعلى الرغم من ذلك، أكّد نمر أن «النقابة تنتظر المواقع الإلكترونية»، مشيراً إلى البيان الذي سبق أن صدر عن «تجمع المواقع الإلكترونية الصحافية»، والذي حمل توقيع 22 ناشراً، وأيّد قرار النقابة.
والجدير ذكره أن البيان المذكور أدان «محاولات المجلس الوطني للإعلام تجاوز الأصول»، معتبراً أن «محاولات المجلس فرض وصايته على الإعلام الرقمي تمثل تعدياً على التطور الطبيعي للإعلام الحديث، وتتناقض مع مبدأ حرية النشر المكفول في الدستور اللبناني، ناهيك عن أن المجلس، بتركيبته الحالية وصلاحياته المحدودة قانوناً، لا يمتلك الأهلية لمواكبة الواقع الإعلامي الجديد القائم على التفاعل الفوري والمنصات الإلكترونية»، ما يدلّ على التناقض والاختلاف في وجهات النظر في جسم المواقع الإلكترونية نفسه.
المجلس أم النقابة؟
في هذا الصدد، استطلعت «الأخبار» رأي رئيس تحرير موقع «الأفضل نيوز»، جهاد مراد، الذي أشار إلى أنه، وبعد تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة سلام، كان يتأمّل من وزارة الإعلام أن تقوم هي بتنظيم المواقع الإلكترونية وفقاً لشروط وضوابط محددة، خصوصاً أن «الإعلام بأسره متجه نحو الإعلام الرقمي والإلكتروني».
ورأى أن قرار إجراء نقابة الصحافة «يبدو اختيارياً وليس إلزامياً»، في حين أن «لجنة الإعلام الوطني والمرئي والمسموع تقول إن التشريع ومنح التراخيص مسؤوليتها»، متسائلاً: «نحن مين منصدق هون؟».
وإذ اعتبر قرار «نقابة الصحافة الدخول على الخط بادرة خير»، تمنّى رئيس تحرير «الأفضل نيوز» أن تتم «قوننة هذا العمل»، متسائلاً: «اليوم، بعد أن صدرت هذه الورقة عن النقابة، من يمكن أن يقاضي المواقع أو الأفراد غير الملتزمين، والتي ستستمر بالمخالفة وبنشر الشائعات وغيرها؟».
وشدّد على أن «المطلوب هو قانون رسمي يُشرّع في مجلس النواب، عوضاً عن المناكفات بين النقابة وبين المجلس الوطني»، مجدداً الدعوة إلى أن «تجتمع نقابة الصحافة ونقابة المحررين والمجلس الوطني، بحضور وزير الإعلام ولجنة الإعلام النيابية، وأن يتم التوصل إلى قانون يختص بالمواقع الإلكترونية يحفظ حق الجميع».
مرتبط