أخبار عاجلة

نصف السوريين في ثلاث محافظات: دوّامة النزوح باقية

يرسم تقرير «الهجرة الدولية» خريطة جديدة للثقل السكاني في سوريا، كاشفاً استمرار دوّامة النزوح وتحوّل حلب وريف دمشق وإدلب إلى مراكز الكثافة السكانية.

تصدّرت حلب قائمة الخريطة السكانية بنحو 5.5 ملايين نسمة

عرضت «المنظمة الدولية للهجرة»، في تقريرها الأخير، ثلاثة مؤشرات ديموغرافية رئيسية ترسم ملامح التحوّل السكاني في سوريا، وتتعلّق بإجمالي عدد السكان، وتركيبهم العمري والنوعي، وحركتهم بين المحافظات، وبمجمل ملفّ نزوحهم الداخلي والخارجي؛ وهي مؤشرات تكتسب أهميتها في ظلّ استمرار غياب قاعدة بيانات وطنية موثوقة، وفي وقت تحاول فيه الحكومة الانتقالية وضع تصوّرات أولية لبرامج التنمية والتعافي.

بُنية سكانية فتية وتحدّيات اقتصادية

يقدّر التقرير إجمالي عدد سكان البلاد، حتى نهاية أيلول الماضي، بنحو 26.7 مليون نسمة، 51% منهم ذكور مقابل 49% إناث، وهو ما يخالف تقديرات سابقة أشارت إلى تفوّق الإناث عدديّاً، نتيجة الخسائر البشرية في صفوف الذكور أثناء الحرب، وتزايُد موجات الهجرة بين الشباب. لكن الأرقام الجديدة تعيد التوازن إلى التركيبة السكانية، الأمر الذي يعكس إمّا تحسُّناً في عمليات التعداد والرصد، أو تبدّلاً في ديناميات الهجرة والعودة، خلال الأشهر الماضية. ويُظهر التقرير أيضاً أن المجتمع السوري لا يزال فتيّاً، إذ ينتمي نحو 67% من السكان إلى الفئة العمرية الواقعة ما دون الـ29 عاماً، فيما يشكّل من هم دون الـ17 سنة قرابة نصف السكان. وتحمل تلك التركيبة وجهَين متناقضَين: فهي من جهة تعبّر عن قاعدة بشرية شابّة قد تمثّل رصيداً للتنمية إذا ما توافرت بيئة اقتصادية مناسبة، ولكنها من جهة أخرى تعدّ تحدّياً ضخماً أمام الحكومة الانتقالية، التي تواجه معدّلات بطالة مرتفعة وصلت إلى نحو 60%، بحسب تقديرات رسمية سابقة. كما إن نصف المجتمع تقريباً يحتاج إلى خدمات تعليم وتنشئة، في وقت يعاني فيه القطاع التربوي من ضعف البنية التحتية، وتسرّب أكثر من ربع التلاميذ من المدارس، وفق تقديرات وزارة التربية.

النزوح والعودة بعد التحوّل السياسي

يخصّص التقرير حيّزاً واسعاً لملفّ النزوح الذي بقي أحد أكثر مظاهر الحرب استمراراً، إذ تشير بياناته إلى أن عدد النازحين داخليّاً، منذ عام 2011 وحتى نهاية أيلول الماضي، بلغ نحو 6.12 ملايين شخص، شكّلت النساء 51% منهم، مقابل 49% للذكور، في حين أن الأطفال هم النسبة الأكبر من حيث تركيب الفئات العمرية، لكونهم يمثّلون ما نسبته 55% من النازحين. ومن حيث التوزّع الجغرافي، فإن محافظة ريف دمشق هي الوجهة الأولى للنازحين بنسبة 32%، تليها حلب بنسبة 22%، ثم إدلب بنسبة 17%. وتعيد هذه الأرقام التذكير بأن النزوح لم يكن حدثاً مؤقتاً، بل مساراً ممتداً على مدار عقد ونصف عقد، وأن الكتلة البشرية المتركّزة في محيط العاصمة وحلب وإدلب، تعادل اليوم ثقلاً سكانيّاً متحرّكاً يحتاج إلى سياسات استقرار سكاني واقتصادي دقيقة.

“التوزيع السكاني الحالي يشير إلى انتقال مركز الثقل من العاصمة القديمة إلى محيطها”

أما عودة النازحين (داخليًا)، خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري، فتبدو مؤشراً أوليّاً إلى تغير المزاج العام بعد سقوط النظام السابق. فقد عاد نحو 1.7 مليون شخص – إلى مناطقهم الأصلية -، أكثر من نصفهم تقريباً من إدلب (54%)، وقرابة الخُمس من حلب (19%). وسُجّلت ذروة هذه العودة في كانون الثاني – الشهر الذي تلى مباشرة التغيير السياسي -، بحركة تُقدّر بنحو 380 ألف شخص، تلاه أيار بحدود 186 ألفاً. وتُظهر البيانات، أيضاً، أن الذكور شكّلوا 52% من مجموع العائدين، في إشارة إلى أن عودة الرجال كانت أسرع، ربّما بدافع البحث عن فرص عمل أو إعادة تأسيس الأُسر. وعلى الصعيد الخارجي، قفل نحو 696 ألف شخص من الخارج بين كانون الأول 2024 وأيلول الماضي، علماً أن الغالبية الساحقة من هؤلاء، والمقدّرة نسبتهم بنحو 94%، رجعوا إلى مناطقهم الأصلية، فيما توجّه أقلّ من 6% إلى محافظات أخرى. وتصدّرت ريف دمشق، كذلك، قائمة المحافظات المستقبلة للعائدين بنسبة 29%، تلتها حلب بنحو 22%، وإدلب 17%.

في المقابل، سجّل التقرير ما سمّاه «النزوح الحديث»، والناتج في معظمه من اضطرابات أمنية في الساحل والسويداء؛ وبدا شهر تموز الأكثر حدّة من حيث الأعداد، مع اضطرار نحو 168 ألف شخص في أثنائه إلى النزوح – علماً أن معظمهم من السويداء -، تلاه كانون الثاني بنحو 50 ألفاً، ثم أيلول بـ39 ألفاً. وتكشف هذه الأرقام هشاشة الوضع الأمني في بعض المناطق الطرفية، وتوضح أن النزوح كملفّ إنساني وديموغرافي لم ينتهِ بعد.

خريطة الثقل السكاني للمحافظات

يُختتم التقرير بعرض جدول تفصيلي لتوزّع السكان وفق المحافظات، في ما يعكس ملامح إعادة تشكّل الخريطة السكانية، مع تصدُّر حلب القائمة بنحو 5.5 ملايين نسمة، تليها ريف دمشق بـ5.05 ملايين، ثم إدلب بـ2.6 مليون، فحماة بـ1.9 مليون، ثم دمشق بـ1.8 مليون، وحمص بـ1.5 مليون، واللاذقية بـ1.4 مليون نسمة. وتظهر هذه الأرقام أن الثقل الديموغرافي السوري بات يتركّز في ثلاث محافظات رئيسية: حلب، ريف دمشق، وإدلب، وهي مناطق تتقاطع فيها اعتبارات اقتصادية وأمنية وجغرافية تجعلها محرّكاً لأي سياسات مستقبلية للتعافي. كما إن التوزيع السكاني الحالي يشير إلى انتقال مركز الثقل من العاصمة القديمة إلى محيطها، في انعكاس مباشر لآثار الحرب والنزوح الطويل.

عن وكالة ميادين المقاومة

شاهد أيضاً

نشاط حلفاء أميركا وإسرائيل من اللبنانيين في واشنطن: تل أبيب لا تريد السلاح… ونحن لا نريد الحزب كله!

قد يكون هناك نجاح أولي لخصوم حزب الله المحليّين، في إقناع مسؤولين أميركيين كبار بأن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *