عراق ما بعد «الطوفان»: السوداني أقرب للتصدّر

 يتقدّم محمد شياع السوداني نحو تصدّر الانتخابات المقبلة مستفيداً من تراجع خصومه وغياب التيار الصدري، في مشهد عراقي يعيد رسم موازين القوى الشيعية.السوداني سيكون زعيماً أساسياً في «الإطار» إن لم يحصل على ولاية ثانية

وجّه زعيم «التيار الوطني الشيعي»، مقتدى الصدر، في مناسبتين، أتباعه لتحديث بياناتهم لدى «المفوضية العليا للانتخابات»، الأمر الذي يكفل للصدريين التصويت متى ما أرادوا، الأولى كانت في شباط الماضي، وكانت عامة لكل جمهوره، والثانية في نيسان الماضي وخصّ بها جناحه المسلح «سرايا السلام». غير أنه عاد وأعلن نيته مقاطعة الانتخابات في تموز الماضي، وهو الإعلان الذي أكدّه مراراً مذّاك، مع اقتراب موعد الاقتراع في 11 تشرين الثاني.

الموقف الملتبس هذا، فُهم من قبل قوى سياسية مختلفة على أنه تلويح بمشاركة تصويتية، ربما تكون عقابية لترجيح كفّة على أخرى في اللحظة الفاصلة. وجاءت هذه القراءة بناء على تكتم التيار حول طبيعة مقاطعته، وهل هي مقاطعة للترشيح من قبل كتلة الصدر فقط مع بقاء التصويت؟ أم هي مقاطعة تشمل الأمرين، وتحجب الصدريين عن العمل السياسي برمته؟

تتقاطع انتخابات مجلس النواب المقبلة مع انتخابات مجالس المحافظات التي جرت في كانون الأول 2023 في أمرين: الأول هو أن قانون الانتخابات لم يتغيّر وما يزال يعتمد على المحافظة كدائرة انتخابية واحدة وفق نظام احتساب الأصوات «سانت ليغو» نفسه، والثاني هو غياب الصدر. وباحتساب الكتلة التصويتية في بغداد، والتي ذهبت إلى صناديق الاقتراع عام 2023 لتنتخب مجلس محافظة بغداد، حيث بلغت وقتها 795,054 ناخباً، وتوزّعت بين أحزاب شيعية وسنية وأقليات، حصد الشيعة 467,428 صوتاً، فيما حصد السنة 327,626 ناخباً، ليتقاسما حينها 50 مقعداً ويتركا مقعدين للأقليات.

ولو قمنا بإسقاط هذه الأرقام اليوم على حصة بغداد من أعضاء مجلس النواب – وهي 67 مقعداً يضاف إليها مقعدان للأقليات – وفق طريقة احتساب «سانت ليغو» والقاسم الانتخابي 1,7، مع الافتراض أن أي زيادة في الكتلة التصويتية سيكون للطرفين وليس لطرف واحد، سيكون التغيير في معادلة توزيع المقاعد في العاصمة لصالح القوى السنية، حيث سيزداد تمثيلهم عبر اقتناص 9 مقاعد نيابية جديدة، إذ فازت القوى السياسية الشيعية عام 2023 بهذه الكتلة التصويتية، ووفق القانون ونظام الاحتساب نفسه، بـ 31 مقعداً، في حين فازت القوى السنية بـ 19 مقعداً في مجلس محافظة بغداد. لكن وفق حصة بغداد من مقاعد مجلس النواب – ومع توقّع تكرّر الكتلة التصويتية ذاتها – تتغيّر المعادلة وتصبح حصة القوى الشيعية المتوقعة في بغداد 39 مقعداً مقابل 28 مقعداً للقوى السنية.

وتبقى مثل هذه الحسابات تخميناً عقلانياً لا يمكن الركون إليه بشكل وثيق، لكن من المهم توجيه الأنظار إلى الكتلة التصويتية المتوقعة لتحالف «التنمية والإعمار» برئاسة رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، حيث من المرجّح أن تنال أصواتاً هي الأعلى من بين الجميع، خصوصاً إذا أخذنا في الحسبان مقدار ما حقّقه رئيس «ائتلاف دولة القانون»، نوري المالكي، في 2010 و2014، وحيدر العبادي في 2018.

والمفارقة أن أصوات السوداني، وفي حال بقاء نسبة المشاركة المنخفضة نفسها، كما كانت الحال في انتخابات 2021 النيابية، ستكون اقتطاعاً من أصوات منافسيه بين القوى السياسية والشيعية بالدرجة الأساس، حيث قام السوداني بتكوين كتلة سياسية منذ عامين عن طريق جذب نوّاب من كتل أخرى. واليوم، ووفق قائمة المرشحين في تحالف «التنمية والإعمار» يمكن ملاحظة وجود نوّاب كثر لهم جمهورهم كانوا في كتل أخرى والتحقوا بالسوداني. وعلى هذا الأساس، من المتوقع أن يتسبّب الإقبال التصويتي على قائمة رئيس الوزراء في ضرر كبير لقوائم تقليدية مثل «ائتلاف دولة القانون» و«تحالف قوى الدولة» باعتبار أن الجمهور مشترك.

ويبقى احتمال مشاركة جمهور الصدر تصويتاً في الانتخابات وارداً، حيث باتت طاعة الصدريين لزعيمهم واضحة ومعروفة. وفي حال اختار الأخير ترجيح كفة طرف على آخر، فذلك ممكن نظرياً، على الأقل، وإن كان مستبعداً بسبب عداء الصدر لقوى «الإطار التنسيقي» من جهة، وعدم تأييده لعمل السوداني خلال أعوام ولايته من جهة أخرى.

على أن عدداً من القوى السياسية ذات التنظيمات الجماهيرية المنضبطة والخاضعة لتصنيف وتوثيق مستمر عبر السنوات، يمكن أن تنجو من هذه الحسابات، حيث تتميّز «منظمة بدر» و«عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» بقدرتها على ضمان أصوات الأتباع والجماهير بحزم.

ويتمتّع موقع رئيس الوزراء في العراق الديمقراطي بجاذبية كبيرة عند كل انتخابات، تأتي عبر المنجزات الحكومية أو الزبائنية السياسية أو الاثنتين معاً في الغالب، حيث يمتلك كل رئيس وزراء سلطة واسعة لتسخير قوة الدولة وثروتها لصالحه سياسياً. ورغم أن هذا التسخير، بحد ذاته، كان أساس الصراع خلال العامين الأخيرين في العملية السياسية العراقية، خصوصاً بعد تحفّظات المالكي الكثيرة على محاولة السوداني ضمان الولاية الثانية، إلا أن طبيعة ما مرّت به المنطقة من زلزال عسكري وأمني وسياسي بعد السابع من أكتوبر في الأراضي المحتلة، بالإضافة إلى وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، جعلا قمع تحركات السوداني وتحجيمها مستحيلاً من قبل قوى «الإطار»، حيث لم تنجح الخطة التي تم اعتمادها مع رئيس الوزراء السابق، مصطفى الكاظمي، والسبب يعود لفروق في الوضع العام الملتهب للشرق الأوسط، وأسعار النفط المستقرة، وغياب الاحتجاجات، بالإضافة إلى شخصية السوداني المختلفة كلياً عن شخصية الكاظمي، من ناحية الثقة بالنفس وطريقة إدارة التوازنات داخلياً وخارجياً.

عبر هذه المعطيات، تبدو كتلة السوداني هي الأقرب للتصدّر في الانتخابات المقبلة، وما سيحصل عليه رئيس الوزراء من نوّاب سيكونون أداته لتمرير الولاية الثانية، ولكن الطريق ليس مفروشاً بالورود أبداً، إذ إن الانشقاقات يمكن أن تدبّ في جسد قائمته لأسباب تتعلّق بالتنافس الانتخابي الداخلي فيها والذي يمكن أن ينعكس على العلاقة بين أقطاب القائمة، كما حدث مع إياد علاوي في 2010 أو العبادي في 2018. يضاف إلى ذلك أن السوداني تجرّأ على تمتين علاقات محرّمة خارجياً يمكن أن تسبّب له ضرراً سياسياً، ليس أقلها لقاؤه بالرئيس السوري الانتقالي، أحمد الشرع، والذي لا يكنّ له جزء واسع من الطيف السياسي العراقي، وحتى الشارع، أي مودة.

من جانب آخر، مما لا يقبل الشك أن السوداني سيكون زعيماً أساسياً في «الإطار» إن لم يحصل على ولاية ثانية في منصب رئيس الوزراء، وهو بهذه الكتلة النيابية المتوقّعة قادر على أن يكون صاحب الرأي النهائي في اختيار من يخلفه على أقل تقدير.

بالمجمل، لن تكون انتخابات تشرين الثاني فريدة ولا عادية، فهي تحفل بوجوه معروفة ومشاريع سياسية مكرّرة وقانون انتخابات مجرّب سابقاً. ومن جهة أخرى، هي تأتي في لحظة تضعضع المشهد السياسي في مرحلة ما بعد «طوفان الأقصى» وغياب فواعل كثر كان لهم تأثير في المشهد لن نلمسه هذه المرة.

عن وكالة ميادين المقاومة

شاهد أيضاً

ملاحقة 4700 شركة بتهمة التهرب الضريبي

كشف وزير المال ياسين جابر أنه يوجد 4700 شركة تجارية في لبنان، يشتبه في تهربها …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *